العاريان: الجسدُ والضمير!

441

#خليك_بالبيت

جمعة اللامي /

” حيث حريتي، ثمة وطني”
( مثل فرنسي )

عرضت إحدى الفرق المسرحية الفرنسية في باريس في نهاية سنة 2004، مسرحية من إخراج رجل اسمه : “جان فاير” عُرفَ عنهُ ميله إلى تحطيم كل ما تعارف عليه المسرحيون منذ اليونان. في تلك المسرحية وعنوانها “الجسد الصارخ”، عمد المخرج إلى إجبار أحد الممثلين على شرب بوله، وفي عرض سابق شاهد الجمهور ممثلين وممثلات يتبولون على خشبة المسرح، ويصل رذاذ البول إلى الصفوف الأولى من صالة العرض.
وعندما حضر وزير الثقافة الفرنسي في حينه ــ رونو دونديو دو فاير، أحد عروض تلك المسرحية، كان الممثلون يشتمون الحضور بكلمات نابية، ويشنّعون على السيدات، ويقومون بحركات غير محتشمة أمامهم . جرى هذا كلّه والوزير على كرسيّه، وبعض من الجمهور يضحك، أو لا يبالي بما يجترحه الممثلون . وهاتفني صديق من باريس قائلاً : “لم أحتمل هذه المسرحية، فغادرت الصالة بعد خمس عشرة دقيقة على بدء العرض، مع نفر قليل من شبان. أما كبار السن فقد لازموا كراسيهم، كأن شيئاً لم يحدث”.
ليس من الحصافة القول إن جان فاير، غير معني بمشاعر مشاهدي “الجسد الصارخ”، ولربما يكون أقرب إلى الفهم، الإشارة إلى أن هذه المسرحية، لا تشبه إلا كومة قمامة لم تُخفَ في حاوية، كما هي مخفية حيوات كثير من البشر.
ومن الملفت أن تلك المسرحية الفرنسية تمّ عرضها في مئوية ولادة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، الذي ارتبط اسمه برفيقته سيمون دي بوفوار، التي كانت في لحظة من لحظات سأمها، تُمارس ــ في مقهى باريسيّ، ما كان يؤديه ممثلو وممثلات “الجسد الصارخ” !.
بعد نحو عقود من السنين على انهماكات سارتر و دي بوفوار، يريد جان فاير أن يلتحق بالماضي، هذه فكاهة سوداء. لكنّه لم يكن حاضر الذهن بما فيه الكفاية، ليتذكّر ضجر سارة برنار وسأمها، حين جلبت تابوتها إلى صالة شقتها قبل وفاتها في الأول من مارس 1923. وهو ما فعله قبلها روائي فرنسي غير تقليدي، اسمه : رولان دي مونترلان.
عندما يطلق الإنسان ــ أيّ إنسان ، جسده من أيّ قيد، سيجد نفسه في أجواء جان فاير، لكن هذا الإنسان عندما يحترم جسده، سيجد ضميره يرافقه، كما هو كامو، ــ وهو يرتطم بعمود النور بباريس، في الرابع من شهر كانون الثاني سنة 1960، ليُنهي حياته على خشبةٍ بسعةِ الكون كلّه.