العنف
سعاد الجزائري /
بقرار من الامم المتحدة اختير عام ١٩٧٥ ليكون عام المرأة العالمي، ويومها نشطت كل المنظمات النسائية عالميا وعربيا وعراقيا لتحقيق منجزات إضافية لقوانين حقوق النساء، وبضمنها موضوع العنف الذي تتعرّض له المرأة، كنت آنذاك صحفية مبتدئة ومهتمة بهذا المجال، ومع زميلتي الكاتبة فاطمة المحسن، التي كانت قبلي بهذا المجال، قد وضعنا بمساعدة منظمات نسائية وناشطات وسياسيات مخطّطاً لإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وفعلا تحقق الكثير من التغييرات المهمة بمساندة ودعم القضاء العراقي لهذه الحملة متمثلة بأكبر القضاة، وكان موضوع العنف أحد الاولويات المطروحة للبت بها…
اليوم، ونحن نشرف على نهاية عام ٢٠٢٠، عام العنف العالمي والعراقي بجدارة، عام استشهاد أكثر من ٧٠٠ شاب عراقي بأبشع وسائل العنف، وجرح أكثر من ٢٠ ألف جريح ومعاق، عام كورونا وما ستخلفه من كوارث وأمراض وليدة هذا الفايروس المجهول، عام الأزمات والويلات وسقوط الأقنعة البراقة التي كشفت عن قبح ما خلفها..
بعد خمسة وأربعين عاما والبرلمان العراقي اليوم، وإلى الآن، مختلف بشأن سنِّ قانون يحدّ من العنف الأسري، الذي وصل إلى أقصى درجاته، إلى القتل مع سبق الإصرار، وتعذيب الاطفال حرقا أو كيّا بالكهرباء على يد والديهم، وتفنّن المعنِّفين بابتكار وسائل وطرق أغفل عنها حتى مخرجو أفلام الرعب، كل ذلك يحصل يوميا، وما زال المختلفون على وحدة الوطن يتبادلون الحديث بشأن ملائمة قانون العنف الاسري لعاداتنا وتقاليدنا. لا أدري عن أي تقاليد يتحدثون، فهل قتل زوجة أو زوج، أو تعذيب طفل، أو قتل شابة، هو جزء من عاداتنا التي يجب التمسك بها؟ ..
هل أصبح العنف مفردة يومية في حياتنا، نستعملها كملح الطعام، ولا يمكن الاستغناء عنها؟ وأي قانون يحد من العنف، لو سُنّ، سيضر بعاداتنا وتقاليدنا وبشرف الاسرة؟.
دول العالم تبتكر القوانين التي تحد من ظاهرة العنف، وحماية الامن الانساني، لا سيما داخل الأسرة، وتنشغل مؤسسات ومنظمات وأجهزة بحماية وتطبيق القوانين التي تحمي الأسرة من العنف، بينما ننشغل في عراقنا، ونتصارع حول الموافقة او عدمها من قانون العنف الاسري..
ما الذي سنعلّمه للجيل القادم، إذا اختلف “الكبار” على قانون مثل هذا؟ وهل ستلغى من قاموس لغتنا مفردات؛ التسامح، التفاهم، الاحترام….الخ؟
العنف اليوم بات أكثر حضورا في حياتنا من أي مسلك آخر، تجده في الشارع، على شاشات قنواتنا، في مكان عملك، في إعلانات الشوارع، وفي لعب الاطفال، بل حتى في أفلام كارتون. دخل العنف في مفردات حديثنا، وتحول تدريجيا إلى سلوك شبه عام، بدءا بالسياسيين مرورا بالاسرة وانتهاء بالطفل الذي يتجسد فوزه في لعبته الالكترونية بكثرة عدد القتلى الذين سقطوا بسلاحه الالكتروني..
مَنْ سيعارض قانونا يحد من انتشار العنف، ليس بين الاحزاب المتصارعة على كل شيء، فهذا أمر أكبر بكثير من أحلامنا وأمانينا، وإنما الحد من العنف بين أفراد الأسرة الواحدة.
أليس غريبا أن نختلف اليوم على موضوع الحد من العنف في عام ٢٠٢٠، بينما لم يختلف عليه أحد قبل خمسة وأربعين عاما…
إذن ما الذي تبقى لنا لنتفق عليه، ولماذا الاستغراب، فربما سنختلف يوما على اسم العراق كوطن، لأنَّ هذا الاسم يختلف مع هويته الدينية مثلا!!!!