الفاسد مثقفاً ..!!
جمعة اللامي /
“أستطيع أن أخدم وطني مترفعاً،
وبأن أُواصل الكتابة مترفعاً”
(ماركيز)
لم أندهش عندما سمعت أخبار أحد المثقفين، من حيث تورطه في قضية “فساد” ذمة وظيفية، لأنه كان يُعلن ما لا يُبطن، ويُخفي أمراً ويجاهر بآخر. وهذه سُنّة المنافقين، كما هو معروف في ثقافتنا العراقية. و”المفتاح” الذي “يركب” على هذا النمط من المثقفين هو المال، لاسيما في أوضاع مرتبكة سياسياً وإجتماعياً، فعندها يحصل الكثير من التبجح، والحديث عن المآثر، بينما تكون الرخاوة الداخلية، والهشاشة الجوّانية، قد استكملت شروطها من أجل السقوط في رذائل”فساد” الذمة والضمير.
ومهما كان هذا “المثقف” بارعاً في “التكيّف” مع الأوضاع المتغيرة، فإن مسيرته في مفصل منها، تنتظرها هفوة بسيطة لكي يقع في مصيدة الضمير، ليس أقلها تغيير “المقهى” الذي كان يرتاده، أو “تبديل” سيارته بأخرى مناسبة، أو “استبدال” زوجته الوفية بـ “أخرى” تليق بمنصبه الجديد! وهذه “تجارب” المثقفين في البلاد، تقدم للناس “نماذج” فلان وفلانة، أمثلة “واقعية” و “وحيّة”، صارت حديث الغادي والرائح.
في المقابل، هناك نماذج عراقية قلباً وقالباً، في السرّ كما في العلن، تطابقت مع ضميرها، وسلوكها في بيت الأسرة كما في مجال العمل، حتى تحولت إلى رموز شفافة جداً في عمل الخير والحق والصواب، ولو ادّى بها ذلك إلى الفاقة والعوز، واحياناً القتل. ويعرف الشارع الثقافي العراقي هذه النماذج بأسماء أصحابها، وبعنوانات منجزاتهم الإبداعية في مجالات الفنون والعلوم والآداب.
هنا تظهر الخيمتان العراقيتان، خيمة القابل للفساد والمفسد، وخيمة الأمين الكريم والوطني الغيورعلى أبناء وطنه وثقافته، وهنا أيضاً يشير الناس إلى هذه النماذج العراقية، في هذه الأيام، كما احترموا أصحابها في الأزمنة السابقة.
جوهر الحكاية ولبُّها، أن المثقف الحقيقي، يحترم وطنه، عندما يخدمه بترفعه وإبداعه، حتى لو أدى به ذلك إلى السجن والنفي والتشريد.. أو الاستشهاد!