القانون والعرف وأبو سليم

526

عبد الحليم الرهيمي /

كان أبو سليم شخصية محبَّبة عند أهالي منطقته، وهو رجل كهل متقاعد ولا يعمل، ولأنَّه لا يرغب بقضاء أوقات فراغه مع زملائه في (مقهى الطرف) لاحتساء الشاي ولعب الدومينو والحديث في (أمور الدين والدنيا) كعادة روَّاد المقاهي في الخمسينيات والستينيات، وربّما إلى الآن، فقد اختار بدلاً عن ذلك أن يجلس على (تنكة) وهو يلبس العباءة والعقال واليشماغ ويختار (رأس الدربونة) التي يقع فيها منزله وينظر بابتسامة أو بوجه مكفهر إلى المارة حسب مزاجه اليومي، وكان عددٌ من أبناء الحي يسألونه بجدية أو تهكُّم، أنت ليش تجلس هنا أبو سليم (وتباوع على الرايح والجاي؟) ولأنَّ هذا السؤال يتكرّر عليه ويزعجه يردّ على سائليه بسؤال مضاد هو اكو قانون يكول ليش تباوع ؟ آنذاك كان ابنه سليم قد أنهى الإعدادية ويرغب التسجيل في كلية الآداب فاقترح عليه وأقنعه بالانتساب إلى كلية القانون وكانت تسمّى آنذاك بكلية الحقوق، وحين سأل سليم أباه عن سبب حماسه وتشجيعه على الدراسة في كلية القانون أجابه لأنّي أحبّ القوانين واحترم تطبيقها وأريدك تكون مثلي – ولكن بعد أن تدرس بالجامعة – وبعد انتساب سليم للكلية ومرّت مدّة قصيرة على دوامه فيها؛ سأله أبوه ابني هل يوجد قانون يمنع ويجرّم من يجلس على قارعة الطريق وينظر باستمرار إلى المارّة، أجابه لا أعرف، وسوف أسأل أحد أستاذتي الذي أوضح له فعلاً ما التبس عليه وعلى والده بالقول: كلا، لا توجد قوانين لكلّ شيء إنّما توجد أعراف وتقاليد يتعارف عليها الناس والمجتمع وتكون بمثابة تكملة للقوانين ولذلك ليس من قانون يمنع من (يباوع) على الناس وهو جالس على قارعة الطرق، إنّما هناك أعراف وتقاليد لا تسمح له بمثل ذلك حيث إن جلوساً كهذا يحرج المارة، خاصّة النساء والفتيات وحتى الرجال الذين يحملون تسوقاً لا يرغبون بأن يعرف الآخرون به.. ويبدو أن أبا سليم اقتنع بما قال ولده وأصبح يقضي أوقات فراغه بمقهى الطرف، بعد أن علم أن ثمة تقاليد وأعرافاً جيدة مكمّلة للقوانين لا بدّ للإنسان الأخذ بها ؟!