الله على قلب الأم

789

نرمين المفتي /

“الحب رحلة، كل من يبدأها، رضي أم لا، سيتغير من رأسه إلى أخمص قدميه، حتى الذي يتشتت فكره في الطريق لابد وأن يتغير”..
هذه هي القاعدة 12 من قواعد العشق الأربعون لشمس التبريزي، تذكرتها وأنا أشاهد صور أمهات الشهداء في الناصرية والنجف الأشرف، ومعهن أمهات الشباب وهن يتحلَّقن حول المتظاهرين السلميين ويشكلن حائط صدٍّ لحماية بناية قيادة الشرطة في الناصرية، وفي النجف الأشرف وهن يحمين المتظاهرين السلميين ومعهن شيوخ العشائر وغيرهم لقطع الطريق على المندسين الذين يحاولون حرف التظاهرات السلمية عن سلميتها وأهدافها.
لا رحلة حب أقدس وأنقى من حب الأم لأبنائها ومن حب الوطن. الله على قلب الأم الذي يخاف على كل قطرة دم عراقية، إن كانت لمتظاهر أو لفرد من القوى الأمنية، فقلب الأم هو نفسه أينما كان ابنها الشاب، والوجع هو نفسه.. حاول الكثيرون أن يساعدوا الشباب في الحفاظ على سلمية التظاهرات، لكن المخربين والمندسين كانوا ينجحون بشكل أو بآخر. وتمكنت قلوب الأمهات، فوقفت أم الشهيد على وجعها وخرجت إلى الشارع وهي تحمل صورة ابنها وصينية شموع وياس وحنّاء، وبدموعها تطالبهم بالبقاء في الساحة من جهة، وتحمي القوى الأمنية من جهة أخرى، تتوسل بدموعها أن يبعدوا الأمهات عن هذا الوجع غير المنتهي وأن يسعدوهن وهم أبطال حياة، وأن تكون هذه الصينية بشرى زفافهم إلى الحياة.
لا تلد الأمهات الأبناء ليكونوا شهداء أبطالاً سعداء، إنما ليسعدوها ويسعدوا أنفسهم وهم، كما أسلفت، أبطال حياة.. الوطن غالٍ ويستحق التضحيات، لكن لابد لنزيف الدم من أن يتوقف، ولابد لهتاف (بالروح والدم نفديك يا عراق) أن يصبح (بالعرق والحب نعمِّرك يا عراق) .. الله على قلب الأم الذي تمكن من المحافظة على الدم العراقي.. ورحلة الحب التي تبدأها الأم يكملها الأبناء والبنات في رحلات حب لا تنتهي طالما الحياة موجودة.
قلناها ونكررها أن العراق يحتاج الجميع، الشباب المدنيين والعسكريين من مختلف صنوف القوى الأمنية. آن الأوان لنبعد العراق عن المحاصصة والطائفية وأن نعمِّره ونعيده سيداً بين الدول.. وهو كذلك أبداً.