المحبوبتان!

1٬010

جمعة اللامي /

” والضدُ يُظهر حُسنهُ الضدُّ “
(عمر بن أبي ربيعة)

قبل مدة قليلة عنَّ لي أن أفتح بريدي الإلكتروني، فوجدتُ من بين رسائل أخرى، رسالة من سيدة خليجية، تضمنت اعتذاراً رقيقاً، لما تصفه بكلمات “غير مناسبة” صدرت منها بحقي . مكثتُ برهة من الوقت أُقلب أمري في أمر فكرة قد نويتُ الكتابة بصددها، حول امرأة بغدادية اسمها: محبوبة. وأخيراً استقرّ فكري على أن أكتب في شأن هذه السيدة الخليجية، التي قالت: “أرجو أن تدعو الله ليغفر لي ما بدر مني بحقك، ونحن في الأول من شهر رمضان المبارك”.
موطن اختلافنا في الرأي، تلك السيدة وأنا، هو التشدد والاعتدال، فهي – رعاها الله، متعصبة لآرائها، شديدة الثقة بأفكارها، لا ترى في (الآخر)، حتى من أبناء دينها، ممن يخالفها في الرأي، إلاّ خارجاً عن الملّة.
ولم تكن محبوبة البغدادية، في مثل تلك الحالة من التشدد والغلو التي عليها تلك السيدة الخليجية، فقلت في نفسي لأبحث في بعض قواميسي عن النسوة ــ عراقيات وعربيات، عشن في العراق وبلاد العرب أيام كان عند العرب قدر من العلم والمروءة، فوجدت كثيرات لديهن زكائب من المروءة وجوالات من العلم، وهو ما نفتقده في أيامنا هذه من بعض رجالات العرب، ومنهن جارية اسمها: غُصن!
وجدت أخبار “محبوبة” في “الأغاني” و”مروج الذهب” و”المحاسن والأضداد” و”تاريخ الخلفاء” .. وغيرها.. وغيرها، فإذا هي شاعرة حسنة الوجه والصوت، وفيّة أبيّة، بقيت تحتفظ بالودّ للخليفة المتوكل في سعده ونحسه. ويقال إنَّها نزلت من سامراء (سر من رأي) إلى بغداد، بعدما حلّ من كوارث في سراة قومها، فأهملت نفسها، وتركت زينتها، حتى ماتت كمداً وحسرة.
وعندما قُتلَ المتوكل، قالت محبوبة فيه:
أي عيش يَطيبُ لي
لا أرى فيه جَعفرا
مَلكاً قد رأته عيني
طريحاً معفّرا
و”جعفر” هو المتوكل، القتيل على طريق المُلك، كما هو معروف من سيرة بني العباس في أيامهم.
ولله في خلقه شؤون.