المكتبة المتنقِّلة

636

عبد الله صخي /

من المؤكد أن الإيطالي أنطونيو لاكافا لا يعرف شيئاً عن المهندس كاظم حسون ولاعن قريته (البو ناهض) في الديوانية، ولم يسمع أن شبابها المتنورين أسسوا، مثله، مكتبة متنقلة.
ففي مسعى مبهر، وبجهد بارز من الناشط كاظم حسون، انطلقت قبل ثلاث سنوات “ستوتة” تجوب طرقات القرية توزع الكتب على المواطنين الراغبين في القراءة وخصصت قصصاً للأطفال لتشجيعهم على حب القراءة ولتحسين قدراتهم ومعارفهم.
أنطونيو لاكافا معلم ابتدائية متقاعد انطلق قبل عشرين عاما في سيارة بثلاث عجلات يوزع الكتب على الأطفال الذين تقيم أسرهم في الأماكن النائية من منطقة باسيليكاتا الجبلية جنوب إيطاليا. وأحيانا يصل إلى الأطفال في أبعد قرية مثل سان بولو حيث يوجد طفلان فقط بعمر تلاميذ الابتدائية.
خطرت له الفكرة عندما لاحظ أن هناك نوعاً من عدم الثقة بالكتاب بينما هو يؤمن بأن الطفل الذي ليس بيده كتاب هو طفل متوحد غالباً. يقول لاكافا، في تقرير تلفزيوني لقناة بريطانية، إنه شعر بالقلق على مستقبل الأطفال في منطقة ليس فيها قرّاء فيما هو يتقدم في السن. وقبل أن يتقاعد من التعليم بفترة قصيرة طرح مشروعه على التلاميذ فوافقوا وشجعوه ودعموه. ويعرب لاكافا عن اعتقاده بأن من المهم نشر محبّة الكتاب بين الأطفال، فتحقيق ذلك يحمل قيمة ليست اجتماعية أو ثقافية فقط بل قيمة أخلاقية أيضا. ومنذ ذلك الحين بدأ يتنقل من قرية إلى أخرى عبر التلال أو بين ممرات الجبال الوعرة يقود سيارته، التي حورّ هيكلها لتستوعب أكبر كمية من الكتب. وما إن يلمحها الأطفال والفتية، الذي كانوا ينتظرونه، حتى يهرعون لاستقباله، فرحين بقدومه. كان لاكافا حريصاً على تعميق بهجتهم وصداقتهم للكتاب فيوفر لهم ما يرغبون بقراءته بدون تدخل أو ضغط منه.
يأمل لاكافا بإيصال رسالة هي أن الثقافة التي ينتجها الجميع هي للجميع وليست لنخبة قليلة، تماماً كما يأمل الناشط كاظم حسون في أن تتوفر الثقافة للجميع صغاراً وكباراً من أجل أن يصبح الكتاب في متناول اليد. من المؤكد أن المعلم الإيطالي المتقاعد أنطونيو لاكافا لا يعرف المهندس العراقي كاظم حسون ولم يسمع باسمه أو باسم قريته، إلا أنهما التقيا وتعارفا عن بعد، واشتركا في حلم عظيم هو بناء الإنسان.