الموصل: الجرح والنور

762

نرمين المفتي/

يقول جلال الدين الرومي «لا تجزع من جرحك والا كيف يتسلل النور الى داخلك «.. كان جرح الموصل كبيراً وموجعاً، لذا فأن النور الداخل سواء الى باطن العراق أو العراقيين يفترض أن يكون كبيراً ومثمراً. فقد أزهرت دماء الشهداء، عسكريين ومدنيين، نصراً وبانتظار أن يثمر النصر شعباً موحداً وليس مكونات، يحاول أحدها أن يتجاوز على حقوق الآخر او يحاول مصادرة رأيه.

لقد قاتل العراق كله في الموصل، كانت القوات المسلحة كافة، بمختلف صنوفها ومسمياتها، يداً واحدة لاستعادة الموصل، وفي غالبية اللقاءات التلفزيونية، كان المقاتلون يشيرون في أحاديثهم الى أنهم عراقيون فقط. قليلون شذوا عن هذه الوحدة باشارات عرقية او طائفية. لم يكن ثمن تحرير الموصل قليلاً أو هيناً. كان باهظاً بالبشر والحجر، شباب بعمر الورد من المقاتلين وأطفال ونساء وشباب ورجال كبار في العمر من المدنيين واثار لا تقدر بثمن ونازحين بمئات الالاف، بعضهم فقدوا كل ما يملكونه، حتى البيت. لن نتمكن أن نرد لقواتنا المسلحة تضحياتها على مدى تسعة أشهر ان لم نتوحد مثلها. ان لم ننبذ الطائفية وإن لم نتخل عن كوننا مكونات ونعود مواطنين. إن توحدنا، سنرغم الكتل السياسية أن تتخلى عن المحاصصة والتي سترفض، لابد أن تغادر الساحة العراقية التي اتعبتها الحروب وحمامات الدم المجنونة سواء في حروب انابة او في تنفيذ أجندات خارجية. تحررت الموصل بحرب شرسة غير تقليدية، سجلت فيها قواتنا المسلحة الكثير من البطولات والإيثار وحالات إنسانية.. ويوماً، نتمناه قريباً، ستنتهي الحرب، وتبقى خوذة بثقب تحاول الاحتفاظ بحلم شاب كان قد وعد والدته بالعودة ويبقى طفل وجد حيّا بين الانقاض من دون أهل ويبقى صراخ طفلة وجدوها تحت حجاب والدتها التي استخدمت درعاً بشرياً والمقتولة قبل ثلاثة أيام، استمرت تصرخ وكانت نسيت حتى اسمها. ويبقى سياسيون لا يعرفون الخجل، ضموا رؤوسهم تحت رمال دول الجوار بعد ان دمروا مناطقهم لا لشيء انما لأن من يملأ جيوبهم بالأموال يرغب أن يستمر حمام دم مجنون في العراق. ويبقى وجع يغلف قلوبنا ونحاول أن نتناسى ويبقى السؤال: هل من متعظ؟

من يجنب الأجيال القادمة بلاء الحروب؟

من سيصر على إسقاط الراء من كلمة (حرب) ؟

من سيعيد أحلاماً من تحت الرماد ومن ثقوب الخوذ؟