النصر.. أو النصر!

1٬216

عبد الحليم الرهيمي/

(النصر، أو الموت).. بهذا الهتاف الثوري الذي ردده لمرات عديدة مئات الآلاف من المتظاهرين الكوبيين الذين خرجوا الى مطار هافانا لأستقبال ضيفهم أنستاس ميكويان نائب رئيس مجلس الوزراء السوفيتي ورئيس مجلس السوفيت الأعلى عندما وصل الى المطار في 2/11/1962 لترميم العلاقة بين موسكو وهافانا التي بدت على وشك التصدع بعد أزمة الصواريخ السوفيتية وقرار

موسكو سحبها في 28/10/1962 بعد التهديد الاميركي بأستخدام القوة ان لم تلتزم موسكو بذلك.
الضيف السوفيتي ميكويان، رد على موقف المتظاهرين وهتافهم بهدوء تام وحكمة مشوبة بالعطف والتفهم لدوافع رفع هذا الهتاف أمامه قائلا: كلا .. كلا أيها الرفاق الأعزاء دعوا شعاركم الثوري الأثير هذا (النصر أو الموت) الذي خضتم الثورة وانتصرتم في ظله واستبدلوه بهتاف (النصر، أو النصر) فهو الهتاف والشعار المناسب بعد انتصار الثورة والمباشرة ببناء الدولة الجديدة، الأهمية التي انطوى عليها اختيار القادة السوفيت بالاجماع لميكويان من بينهم لهذه المهمة والمغزى الذي انطوت عليه كلمته في مخاطبة مستقبليه المتظاهرين، هما اللذان دفعا أعضاء مجلس السوفيت لأختياره لهذه المهمة الصعبة، مهمة معالجة الأزمة التي نشبت بين موسكو وهافانا بعد معالجة وحل الازمة مع واشنطن في أعقاب سحب موسكو مكرهة للصواريخ التي نصبتها في كوبا الأمر الذي ازعج كاسترو وحكومته بهذا القرار الذي سمعه من المذياع، كما قال غاضباً!

وبعد اتصالات ومحادثات صعبة استمرت لنحو ثلاثة اسابيع وصلت ذروتها في الساعات الأربع الأخيرة من يوم 22/11/1962 صارح ميكويان القيادة الكوبية بأسباب اتخاذ هذا القرار ومبرراته والذي ضمن أمن وسلامة وسيادة كوبا من اي عدوان، الأمر الذي هدأ من خواطر الكوبيين وفسح المجال لمعالجة الازمة معهم.

لقد تذكرت ما قاله ميكويان لمستقبليه في هافانا إبان الحدث التاريخي الرهيب والمرعب، الذي وضع العالم آنذاك على حافة الهاوية لما سمي بأزمة الصواريخ، وأنا أقرأ (تنظيرات) البعض عندنا لاعتبار الشهادة أو الموت في سبيل قضية (ثقافة) ينبغي نشرها وتعميقها دائماً في نفوس الناس، خاصة الشباب وهو الأمر الذي لا ينسجم مع طبيعة الحياة ولا مع الارادة الربانية أساساً التي تدعو الأنسان لتقديس الحياة وعمارة الأرض وما عليها وتحقيق الحياة الآمنة السعيدة. والواقع ان الشهادة والموت في سبيل قضية وطنية أو دينية هي قيمة انسانية رفيعة يصبح الواجب ممارستها في لحظة الدفاع أو الذود عن قضية مقدسة يؤمن بها الانسان وليست ثقافة دائمة ملازمة للحياة ومنغصة لها.