ايلوار .. الشعرُ مُقاومةً !

491

جمعة اللامي /

“أتقدم داخل نفسي/ متزوداً تماماً بالثقة: إنها الصلاة الأولى”
(بول فاليري ــ الفجر)

عندما كانت فرنسا تُقاتل النازي المحتل، تخيّر الشعراء والأدباء والرسامون والمسرحيون الفرنسيون أمكنتهم بوعي ودراية، فارتصف اليساري مع المحافظ، والشيوعي إلى جانب الوجودي، أما الذين وقفوا مع المحتل فلم يكونوا فارزة في جملة. وحدث للمرة الأولى في تاريخ المقاومات البشرية للغزاة المحتلين، إن قصيدة بول ايلوار الشهيرة: “أيتها الحرّية” كانت في البدء، وستبقى تقود النهايات كلها.
ايلوار، شاعر المقاومة والحرية، كما عرف بعد ذلك، والمتوفي سنة 1952، والمدفون في “المقبرة البحرية” بباريس، بعد جنازة قومية مهيبة، بدأ دادائيّاً، ثم سوريالياً، وعمل محرراً صحافياً في وزارة الدفاع، وكان ينصت جيداً إلى “الشعر الخالص” من حيث يستدعيه هو.
مثل أندريه بريتون، وهنري ميشو، كان “لوتريامون” لدى ايلوار، كتاب الشعر. وعندما أصدر السورياليون “قضية لوتريامون” سنة 1925، ابتدأ عصر جديد في شعر البشر طُرّاً، سوف يبقى إلى آماد غير محددة، شاخصاً ومرجعاً. الأثر الأهم في شعر هذا العصر، هو ما وصل إلى أسطوراته من المجدد بول فاليري حيث: “إن أشعاري تتضمن المعنى الذي نمنحه لها”.
يُسمّي ايلوار، زوجته نوش: الحرية، بحيث لا يمكن فصل الإنسان عن صفته وفعله. وهي قصيدة تُرجمت إلى أغلب لغات العالم، ومنها العربية، وحين كان الثوريون العرب في حاجة إلى أقنعة، كانوا يستعيرون نوش من ايلوار، حتى وهي ميتة في ريعان صباها:
أحبك، لأجل كل النساء اللواتي لم أتعرف إليهن،
لأجل كل الأزمنة التي لم أعش فيها،
لرائحة البحر الشاسع،
لرائحة الخبز الساخن،
للثلج الذي يذوب أمام الأزهار الأولى،
للحيوانات التي لا يرعبها الإنسان،
أحبك لكي أحبّ.
هذا العاشق الذي يليق به الحب، ستكون مقاومة محتلّي بلاده شأناً شعرياً خاصاً لملهمته كشاعر، وموقفاً إنسانياً يجمعه برموز المقبرة البحرية. إنه الحب كما لم يعبر عنه أحد في هذه التجربة إلاّ ايلوار:
كل شيء يجمعنا / حتى يكون الواحد منا بعيداً عن الآخرين / كوني حصة الصدى والمرآة، حصة الغرفة والمدينة/ حصة كل رجل وكل امرأة …