باركود وما يشبهه
د.حسن عبد راضي /
قصدت ذات يوم قريباً لي وكان متوعكاً، ومن عادة من يزور المرضى أن يحمل في يده “صوغة” قد تكون ورداً لدى شعوب وثقافات بعينها، أو فاكهة و”ركي” لدى شعوب وثقافات سواها، لذا نزلت على أحد باعة الفاكهة والخُضر المنتشرين بكثرة على الأرصفة وأحياناً على الشارع “التبليط”، المهم بعد أن حملت بضعة أكياس من البرتقال والموز والتفاح سواها إلى حيث يجلس “الكاشير” أخذ يضع الأكياس على ميزان ميكانيكي من ذوات الساعات، لكنه كان يجعل وجه الميزان ناحيته، فلا يرى الزبون كم كان وزن الأشياء حقاً، وبعد ان انتهى من وزن كل الأشياء سألته ممهداً لسؤالي بالقول: أرجو ألّا يزعجك كلامي، ولكن لماذا تزن ولا تسمح للزبون بمشاهدة مقدار الوزن؟ فردّ علي: أنا أشاهد الميزان وهذا يكفي. قلت له: لكنّ المهم شرعاً وقانوناً أن يرى الزبون ذلك ويقتنع، فقال كلاماً مفاده: هل تتهمنا بأننا “نُخسر الميزان” طبعاً هو لم يستخدم هذا التعبير إذ لعله لم يقرأه يوماً أو لم يمر على سمعه أو أنه سمعه وقرأه ولكنه لم يفقه معناه، والأرجح عندي أنه يفقه معناه لكن الطمع جعله يخالف ما شدّد عليه الله جل وعلا، وما جرّمته القوانين الوضعية أيضاً.
ذكرني هذا بالميزان الحديدي التقليدي وما درج عليه كثير من الباعة – في غياب الضمير الأخلاقي والديني، وفي غياب قانون يحاسب المخالفين- من عبث بالمعيار الحديدي و”تطفيف” وزنه قدر المستطاع، وغير ذلك من أفانين السرقة والفساد.
أمس ذهبت إلى صيدلية في شارع الكندي المشهور بأطبائه ومذاخره وصيدلياته، وسلمت الصيدلاني الوصفة الطبية، فذهب الرجل يميناً وشمالاً في أرجاء المكان جالباً هذا الدواء وذاك، ثم جعل يعرض كل علبة دواء من الجانب المثبت فيه باركود السعر على الآلة القارئة من غير أن يكون للزبون أية فرصة في معرفة ماذا قرأت تلك الآلة؟ وكم هو السعر الحقيقي لتلك الأدوية؟ والسؤال الذي ألحّ علي لحظتها وربما يتبادر إلى أذهانكم الآن أنتم أيضاً هو: إن كان بائع الخضرة وبائع الأدوية لا ينويان خداع الزبون فلماذا يصران على إخفاء شيء نصّت الشرائع والقوانين على ضرورة الشفافية فيه؟ ألم يكن أفضل لهما وللناس لو جعلا معاملتيهما شرعيتين وقانونيتين ببساطة؟ أتظنون أن الفساد سمة لازمة للحكام ومن بيدهم زمام الأمور؟ أليس الصيدلاني وبائع الخضرة مواطنين، لكنهما فاسدان؟
قفشات أخيرة:
– في دولتنا قبل خمسة آلاف سنة كان ثمة قوانين و”محتسبون” يحاسبون الباعة في الأسواق ويمنعونهم من الغش والتطفيف، فلماذا تعجز دولة اليوم عن ذلك؟
– يحدثك أحدهم فيقول: كنا نسكن حي الأطباء أو الصيادلة ..يا له من حي راقٍ.. “كلهم” مثقفون و”أوادم”!!
– تقبّلَ الله زيارة من يزور، وحجَّ من يحجُّ، وعمرةَ من يَعتمر، ودرباشة من يُدربش.