بحثاً عن سجل موسيقي(*)
جمعة اللامي /
في منزل مرمم، وربما عند منعطف في شارع، ستجد ضالتك، وتقول: تلك التي أريد، أقصد عندما تعثر على موسيقي فطري يتحدث بيديه، ويعزف بأصابعه موسيقا شعبه.
“حياة من دون موسيقا، حياة خاطئة”
(نيتشه)
لكن العثور على كتاب موسيقي بات أمراً صعباً في كثير من دول الخليج العربية، رغم التطور الهائل في الحياة المعيشية ووسائل الاتصال بالآخر. ولا يعود هذا النقص إلى عدم وجود “مؤسسة موسيقية وطنية” فحسب، بل لأن الحديث في هذا الشأن، يقودنا إلى ما هو أبعد من المبنى، ونعني به الموانع والعقبات الاجتماعية والثقافية ذات العلاقة بالموسيقا.
لكننا في حفلات الأعراس في القصور، كما في البيوت الشعبية، مثلاً، نعثر على ضالتنا، ولا نجد أي تعب في الإمساك بأجوائها ومفرداتها، ويتيح لنا ذلك الحديث عن موسيقا شعبية خالصة. وفي شأن آخر، مثل الحديث عن رياضة القنص، أو تداول المعارف في تقنية بناء السفن، وحتى في إدارة حديث مع راوٍ حول صناعة السُرر قبل نصف قرن، فإن الموسيقا الشعبية تحضر هي الأخرى، غير أنها تشكو من عدم وجود ذلك المثقف الموسيقي الذي يحولها من لغة تقال، أو رسم فطري، إلى لغة موسيقية، وحتى لهجة موسيقية، إذا ما ابتغيت التخصيص.
وفي بلد مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ثقافة الجبل، وثقافة الساحل، وثقافة البادية، تكون الموسيقا مثل حياة صافية، إذا ما تم تَبنّي اعتبار الموسيقا لغة الطبيعة السامية، على حد وصف شوبان، أو تكون دعوة إلى ترك ما لا يترك، كما يدعي المتزمتون.
لم تطرح “قضية الموسيقا” في بلدان الخليج العربية كتعبير عن “الهوية الوطنية” مثلاً، وهذه مسألة لا بد من مناقشتها بشفافية ومسؤولية أيضاً.
وأقصد بهذه الإشارة أن يبادر أحد الفنانين، أو مجموعة من المثقفين، أو اتحاد أدبي، أو منظمة نسوية، إلى القول إن مجموعة سكانية هامشية تجددت بالموسيقا، واستعادت هويتها الوطنية، بينما نحن نترك إرثاً فنياً ضخماً، لا نقرُّ به تماماً، ليضيع منا، ونخسر بذلك سنداً من المساند الرئيسة لتكويننا الثقافي.
مرة، صرح فيكتور هوغو: “حين لا يمكن السكوت، فإن الموسيقا تقول ما لا يقال.” وهذا وحده يكفي لكي يستيقظ النوَّم.