بين سارتر ومجنون ليلى

836

عامر بدر حسون/

لجان بول سارتر مسرحية “تدوّخ” بعنوان (جلسة سرية) او لا ملجأ أولا مفر في ترجمات أخرى وهي كما سترى مثل الحياة بالضبط!
كل المسرحية تقوم على امرأتين ورجل في الآخرة.. وفي الجحيم تحديداً!

لقد ماتوا جميعاً وصدر الحكم عليهم بدخول جهنم لكنهم يوضعون في غرفة قبل إدخالهم للنار.

***
تدور المسرحية في فترة الانتظار هذه، وهو، كما سنعرف، انتظار أبدي. وتقوم الشخصيات بالتعرف على بعضها والأسباب التي حكمت من أجلها بعذاب النار. يدور الحديث بينهم على المكشوف عما ارتكبوه في الحياة الدنيا وعلاقاتهم بالزوجات والأزواج والعشاق والأبناء والآخرين عموماً، ونعرف أنهم حوّلوا حياة من حولهم الى جحيم. في نهاية المسرحية يبدأون بالدق على الباب ويتوسلون بسرعة إدخالهم للنار كي يتخلصوا من الجحيم الذي اكتشفوه، والذي يدفع الرجل للصراخ:

«الآخرون هم الجحيم”!

***
كيف حصل هذا؟

إحدى لعب سارتر في المسرحية أن الرجل يحب المرأة الأولى فيما هي تكرهه لأنها تحب المرأة الأخرى، لكن تلك المرأة تكرهها لأنها تحب الرجل الذي يكرهها وينفر منها! دوامة من الحب المستحيل غير المثمر والكراهية. لذلك يتوصل الجميع الى خلاصة أن الجحيم “هم الآخرون” وأن عذاب النار أهون بكثير!.

***
شيء من هذا ينغّص حياة البشر في حياتهم اليومية ويحولها الى جحيم وهو من صنعهم وصنع أنانيتهم وممارستهم الأذى لمجرد أنهم يستطيعون ذلك، وأيضاً في ركضهم وراء المستحيل. وما ذكّرني بهذه المسرحية الفلسفية والفكرية والواقعية في آن واحد، بيت من الشعر العربي القديم لقيس بن الملوّح المعروف بمجنون ليلى، الذي أحب ليلى ولم يحصل عليها فبقي يكتب الشعر لها وعنها حتى سمّي بالمجنون.

وفي تقديري أنه أحب في ليلى فكرة أنه لا يستطيع الحصول عليها!

بيت الشعر يقول:

(جُننّا بليلى وهي جُنّت بغيرنا

وأخرى بنا مجنونة لا نريدها)!
وهي كما ترى خلاصة مركّزة لمسرحية سارتر وقد كتبها قبل مئات السنين!

***
وعلى هامش هذه الثرثرة الاستذكارية أشير الى أنه تمّت دعوة سارتر ورفيقته سيمون دو بوفوار الى مصر في الستينات لحضور عرض مسرحيته “الذباب” باللغة الفرنسية. وعقب العرض جمع المسرحيين، وبدلاً من شكرهم قال لهم (وقد أصبح منتمياً الى اليسار المتطرف):
– إن واجبكم اليوم هو ليس تقديم مسرحياتي بل الذهاب الى الأرياف ومحاولة تعليم شعبكم القراءة والكتابة!

***
وأختم بسؤال او استفهام للمسرحيين والمهتمين بالمسرح:

هل تم تقديم مسرحية لسارتر على مسارحنا يوماً؟! أم أن الكسل العقلي والثوري و”اليقين” أيضاً حرمنا من متعة المسرح والتفكير؟
وفي النهاية:

هل أنت جحيم لأحد؟!

هل هناك من حوّل حياتك الى جحيم؟!