تخطيطٌ عشوائي

973

نرمين المفتي /

صباحاً، أي صباح، كي يصل الشخص، أي شخص، الى دائرته او مكتبه او مكان عمله في بغداد، يحتاج الى صبر يفوق الصبر و الى برودة اعصاب أبرد من أسفل الحِب (بكسر الباء)، زحام لا يطاق وأنانية بعض السوّاق لا تطاق.. لا أعرف من كان المسؤول الذي وافق على نصب المجسرات في بغداد بـ (هدف) تخفيف الزحام وصولاً الى انسيابية سير لا تؤثر على الأعصاب، لكنه أخطأ الهدف قطعاً، مثلا، المجسر في العلاوي، فالمعروف أن الزحام في هذه المنطقة هو في الشارعين المتوازيين (شارع المحطة العالمية وشارع جامع بنية) والمجسر بدل أن يخفف الزحام على الشارعين، يزيده لأنه يصب فيهما..

الحال نفسه في مجسر شارع حيفا، الشواكة. اما مجسر الشعب فحدث ولا حرج اكثر سوءاً من المجسرين المشار إليهما. اذ لم يحل مشكلة الزحام انما زادها، وكلما نسافر الى كركوك او نعود منها، لابد من التأخر في الزحام لاكثر من ربع ساعة في احسن الأحوال.. و أحيانا في ساعات الذروة، يطول التوقف الى اكثر من نصف ساعة.

قبل أسبوع، وانا في طريقي الى البيت، تذكرت أن خادم مرقد الحلاج الضرير كان قد قال لي بأن الذين يزورونه قليلون.. قلت ربما لا يعرفون مكانه وربما هناك من صدق الوزير العباسي حامد وهو يصدر عليه حكماً بإعدامه بتهمة الكفر.. وددت زيارته، لكن الشارع كان مقفلاً بسبب الزحام… واي حلاج مهندس او مخطط للمدن يستطيع ان يواجه ازمة تخطيط المدن العراقية، وخاصة بغداد التي تشكل العشوائيات أصغر مشاكلها! لكن اذا نظرنا الى عشوائية مواقع المجسرات، تكون العشوائية اكبر ما تواجهه مدننا كلها التي غاب عنها التخطيط المهني والذي يؤدي الى فضاء صالح للعيش المريح.

طبعاً استخدام المنبهات التي تلوث السمع والتي تعودنا عليها مرغمين، بدأ يصاحبها البعض الذين يستمعون الى أغان كلها نشاز، لحناً و كلمات، بصوت عال، يكون صوت المنبه الهوائي أرحم منها واقل تلوثا.. ويطول التوقف.

بعد اكثر من ساعة ونصف الساعة أصل، بينما لو كانت الطرق سالكة، فإن هذا الطريق لا يأخذ سوى 20 دقيقة سيراً..
وكأن عشوائية التخطيط تصر على إدامة الزحام، اي إدامة الفوضى في الشارع، وبالتالي إدامتها في كل مفاصل الحياة بسبب تأثير الشارع الكبير على نفسية الإنسان..