تعلَّم، تعلَّم، ومرة أخرى .. تعلَّم !

556

عبد الحليم الرهيمي /

إن واحداً من الأسباب الرئيسة في تقدم شعوب وبلدان العالم وتطورها هو اهتمامها الكبير بالتعليم، بدءاً من رياض الأطفال وصولاً إلى المراحل الدراسية العليا. ويصبح هنا الاهتمام استثنائياً عندما تتعرض بعض البلدان لدمار الحروب والفساد الذي يدمر الدولة واقتصادها. وما واجهته اليابان، مثلاً، في عصر النهضة وما بعد الحرب العالمية الثانية وثورة أكتوبر الروسية العام 2017 ومصر في ثلاثينات القرن الماضي، فضلاً عما واجهته وقامت به بعض البلدان خلال العقود الأربعة الاخيرة مثل ماليزيا وسنغافورة وغيرها هي بعض الأمثلة على ذلك.
لقد أبدت اليابان في عصر النهضة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر اهتماماً كبيراً بالتعليم والثقافة، وقد حظي كتاب (تحفيز على التعليم) للكاتب الياباني (بوكيش فوكوزاو) الصادر عام 1872 باهتمام كبير لأكثر من ربع قرن، إذ وزع من طبعته الأولى لأقل من عام 220 ألف نسخة، ثم تجاوزت طبعاته الستة ملايين نسخة خلال 25 عاماً.
وخلال عقد الثلاثينات سعى الأديب المصري الكبير طه حسين عندما تولى وزارة المعارف بمصر إلى تعميم التعليم، لكن مشروعه تعثر بسبب الصراعات الداخلية والمشاكل في مصر آنذاك.
وخلال العقود الأخيرة شهدت كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة ودول الخليج العربي اهتماماً كبيراً بالتعليم في بلدانها، وكمثال، رصدت السعودية ربع ميزانيتها الأخيرة للتعليم، وقد بلغ عدد المبتعثين للدراسة في الجامعات الغربية نحو 400 ألف مبتعث حسب (منظمة إمكان) المستقلة.
وفي روسيا، حظي التعليم باهتمام كبير بعد ثورة أكتوبر عام 2017 وباهتمام خاص من زعيمها فلاديمير لينين.
نقل لي صديق سوري كان ضمن مجموعة أوفدت في الثمانينات إلى موسكو لدورة إعلامية لشهرين مدى اهتمام الثورة ثم الدولة بالتعليم قائلاً : إن السوفيت، كعادتهم، يحتفون بالضيوف وخاصة البعثات الدبلوماسية والطلابية بإطلاعهم على أبرز معالم مدينة موسكو كالساحة الحمراء ومسرح البالشوي وضريح لينن، وغير ذلك، وأحياناً القيام بجولات استطلاعية إلى المدارس. وأضاف الصديق: أخذنا المرافقون لنا إلى عدد من رياض الأطفال، وفي إحدى الروضات اصطف التلاميذ في الساحة العامة للمدرسة وسألهم المعلم: ماذا قال لينين زعيم الثورة؟ فأجابوا بصوت واحد: قال لينين (أوجتسا، أوجتسا، يشوراز أوجتسا) أي : تعلَّم ، تعلَّم ، ومرة أخرى .. تعلَّم!
هكذا يكون التعليم الذي أوصل الشعوب وبلدانها إلى أرقى درجات التقدم والتطور والازدهار، ونقل روسيا، البلد الزراعي المتخلف، لتكون إحدى الدول العظمى (الاتحاد السوفيتي).. فما هو حال التعليم وحجم الأمِّية عندنا؟!.