تلفزيون عدي!!
حسن العاني/
لا أذكر في أية سنة، بدأ (تلفزيون الشباب) بثّه، والمرجّح عندي في عقد التسعينات من القرن الماضي، وكانت هذه القناة الأرضية تابعة لنجل الرئيس السابق صدام، حتى أن الناس كانت تطلق عليها عبارة (تلفزيون عدي). والحق فقد سرقت الأضواء بالكامل من القناة الحكومية (تلفزيون الجمهورية العراقية)، بقوة عدي وسلطته وسطوته، (من المفيد التذكير بأن العراق يومها كان لا يمتلك سوى قناتين أرضيتين). على أن (النجاح) الذي حققته هذه القناة مقارنة بمنافستها الرسمية، ذات الايقاع البطيء والتغطيات الرسمية المملّة لأنشطة الدولة، لا يعني أنها لم ترتكب أخطاء تصل الى مستوى الخطايا، وتشهد قدراً كبيراً من الفوضى وعدم الاتزان!!
ذات يوم اتصل بي الزميل (…) معدّ برنامج اسمه (ضيوف الشباب)، وأبلغني بأنني سأكون ضيفاً مع مجموعة زملاء آخرين على التلفزيون، فاعتذرت في الحال لمعرفتي الأكيدة بنفسي، فأنا لا أصلح للحوارات (خلقةً وأخلاقاً)، ولكنه قال لي بلطف مبطّن بالتهديد (لقد رفعتُ أسماء المشاركين في البرنامج ووافق عليها الأستاذ الفاضل عدي، واعتذارك يسبب لك ولي مشكلة كبيرة، لا أعرف نتائجها!)
في يوم التسجيل حضر الضيوف الى الاستوديو، وهم (المرحوم مؤيد نعمة، السيدة ابتسام عبدالله، السادة داود الفرحان وخضير الحميري وضياء البدري وحسن العاني)، وكانت الممثلة الجميلة والرائعة والمهذبة، سهير إياد البلداوي، هي مقدمة البرنامج، بينما تولى الفنان اللطيف أحمد ابراهيم جلال مهمة الإخراج… لم أشعر برهبة الكاميرا، مع أنه أول ظهور لي على الشاشة (وآخر ظهور، بعد أن اقسمت على ذلك)، لأن المشاركين معي جميعهم زملاء مهنة، وعلاقتي بهم وطيدة، وبعضهم كان يعمل معي في مجلة «الف باء» ومن هنا كنت أتحدث وأحاور وأرد على الأسئلة، كما لو كنت في مقهى الطرف، أو في جلسة عائلية، وليس في تلفزيون عدي!!
واحد من الأسئلة، كان حول رأيي بأغاني الشباب، (شاشة عدي كانت تقدم كل يوم – مطرباً شاباً – جديداً، وأحياناً مطربينِ، وهذا يعني أن البلد يستقبل في كل عام قرابة 400 صوت، وكنت بالضد من هذه الظاهرة، وطالما سخرت منها بطريقة او بأخرى في كتاباتي الصحفية)، فأجبت على النحو التالي (هذه الموجة المنفلتة من الأغاني، تتحمل المسؤولية الكاملة عن تردي الذائقة الفنية.. إن ما نسمعه صوتاً ولحناً وكلمةً لم يخضع لأية فلترة، ولم يمر على أية لجنة فنية تمنحه البطاقة الخضراء، ولهذا فإن الأغنية العراقية وجمالياتها وعمقها الأصيل تتعرض الى مخاطر كبيرة!!)، وربما كانت هذه الإجابة أقل إيذاء على تلفزيون الشباب من الإجابة على سؤال آخر حول وجهة نظري بتلفزيون الشباب، حيث قلت (إنه ملهى ليلي للفنون الهابطة، دخل بيوت العراقيين)، وثمة العديد من الإجابات يصعب استذكارها الآن، تؤكد جميعها على أنني ساذج بامتياز ومغفل من الدرجة الأولى!
في اليوم الثاني على عرض الحلقة، زارنا في المجلة، وقت الضحى، المخرج أحمد ولم أكن موجوداً، وهمس في أذن الزميل الصحفي الرائد محسن (أبو علاء)، بأنه أجرى عملية مونتاج واسعة على إجابات حسن العاني التي كانت ستؤدي به الى التهلكة، وذكر فيما ذكر حكاية الملهى الليلي… وفي اليوم نفسه ظهراً، فوجئتُ باستدعاء الفنانة سهير لحضور (محاكمة إعلامية) علنية على شاشة تلفزيون الشباب، أجرتها معها السيدة (…….) المكلّفة من قبل عدي بالإشراف على البرامج، وكانت المحاكمة تركز على كيفية سماح السيدة سهير للصحفي حسن العاني بالتطاول على أغاني الشباب، ومن تلفزيون الشباب بالذات… وقد ردّت عليها البلداوي بما آتاها الله من رزانة وتهذيب (الأستاذ حسن العاني، ضيف على البرنامج، ومن حقّه إبداء رأيه، وليس من حقي فرض رأي معين عليه)، وما بين غِلظة السيدة (……) وعدائيتها في الطرح، وبين وداعة سهير ورقّتها، تم بعد ثلاثة أيام إبعاد كلّ من أحمد ابراهيم جلال، وسهير إياد البلداوي عن التلفزيون والبرنامج، ولا بد من أنني مدين بحياتي لذلك الشاب الرائع الذي (منتجَ) آثار جريمتي، ولا بد من أنني أتساءل منذ ذلك الحين: لماذا دفع هذان الطيّبان (سهير وأحمد) الثمن، بينما لم أتعرض الى العقوبة وأنا (المذنب) الأول فيها؟ ولا بد من أن بعض من يحاول الظهور بمظهر البريء، يتساءل بخبث عن نوع العلاقة بين حسن العاني وبين الأستاذ الفاضل!!