تمثال لغائب

639

عبد الله صخي/

احتفت موسكو بالروائي العراقي الراحل غائب طعمة فرمان تقديراً لإسهامه في ترجمة الأدب الروسي والسوفييتي إلى العربية. ففي أيلول الماضي أزيح الستار عن تمثال برونزي نصفي له أنجزه النحات المصري أسامة السروي، وضع

في مكتبة اللغات الأجنبية في العاصمة الروسية اعترافاً بدوره الكبير في نقل آثار أهم الأدباء والشعراء الروس إلى العربية. هكذا احتفى المنفى بأحد رموزه الذين أمضوا فيه نحو ثلاثين عاماً يعذبهم الحنين إلى الوطن، هكذا التفتت الغربة إلى أحد أبنائها فأقرت بفضله وكفاحه وهو الذي قال مرة «الغربة بالنسبة لي حب وشوق إلى بلدي. لقد كانت امتحانا قاسيا للوطنية.»

في أوائل الستينات وصل غائب طعمة فرمان إلى موسكو لاجئاً قسرياً حاملاً معه عراقه الخاص، مملكته التي يعشقها: بغداد. كان العهد الملكي قد أسقط الجنسية عنه وهو في طريقه إلى بوخارست للمشاركة في مهرجان للشبيبة، فاضطر للسفر إلى الصين، وعمل في وكالة أنباء «الصين الجديدة.» وبعد ثورة تموز 1958 عاد إلى العراق، إلا أنه غادره بعد سنتين إلى موسكو حتى رحيله الأبدي عام 1990.

منذ وصوله إلى العاصمة السوفييتية عكف فرمان على ترجمة المئات من مؤلفات الأدباء الروس والسوفييت، نذكر منها أعمال تورغينيف، رواية لتولستوي، قصص لدستويفسكي، أعمال بوشكين، مجموعة قصص لمكسيم غوركي، ورواية لجنكيز ايتماتوف وغيرها الكثير.

خلال سنوات منفاه ظل العراق هاجس فرمان المضني، فبعد روايتيه اللتين كتبهما في بغداد «النخلة والجيران» و»خمسة أصوات» استمر العراق يتجلى في معظم أعماله: «المخاض، القربان، آلام السيد معروف» وغيرها. قال عنه جبرا إبراهيم جبرا: «يكاد غائب طعمة فرمان يكون الكاتب العراقي الوحيد الذي يركّب أشخاصه وأحداثه في رواياته تركيباً حقيقياً.» إذن لماذا تهمل المؤسسة الثقافية العراقية (منذ عهد النظام السابق حتى اليوم) أحد أنبل أبنائها الذين حملوا معهم روح العراق أينما ذهبوا فيما تحتفي به مؤسسة أجنبية؟ لماذا يغيب عنها الاهتمام برموز بلادنا الكثيرة؟ ألا يستحق مؤرخ وعالم لغوي مثل مصطفى جواد تمثالاً؟ ألا يستحق عالم الآثار طه باقر تمثالاً؟ ألا يستحق رائد القصة العراقية محمود أحمد السيد تمثالاً؟ ألا يستحق رائد الرواية العراقية الفنية غائب طعمة فرمان تمثالاً؟