ثقافة التبرع والتطوع

836

نرمين المفتي/

في خضم المسلسلات والبرامج التي تغزو الفضائيات في شهر رمضان، لا تجذبني سوى الإعلانات التي تعرضها الفضائيات المصرية. كل اعلان درس، ليس في السيناريو والتصوير والإخراج فقط، انما بالتبرع والتطوع والتعاون و المحبة. مثلا مستشفى (٧٥٣٧٥) الذي أصبح الآن من أكبر مستشفيات علاج الأطفال المصابين بالسرطان مجاناً في العالم. بدأ هذا المشروع من سيدة كانت مصابة بالسرطان وأوصت قبل وفاتها بجزء من ثروتها لبناء مستشفى للسرطان، وكان حساب تبرعها بالبنك (٧٥٣٧٥). وبدأت حملة تبرعات وتم تشييد المستشفى الذي أصبح رقم الحساب المصرفي اسمه. ساهم المصريون كلهم ببناء هذا الصرح العلمي والتطبيبي وبدأوا بالتبرع لبناء فروع له، وانتهوا فعلاً من تشييد فرع طنطا، واجتمع خريجو سنة ٢٠٠٧من طب طنطا وقرروا التبرع لبناء مستشفى للسرطان ايضا سيكون اسمه ( ٥٥٥٥٥٥) وهو رقم حساب مصرفي، وبالفعل بدأ البناء وتبرع السير، طبيب القلب المعروف عالميا، مجدي يعقوب البريطاني من أصل مصري، ببناء مستشفى أصبح الأهم لعلاج مرضى القلب من الأطفال. وتبرع ويتبرع المصريون كلهم لبناء مجمعات سكنية للذين يسكنون العشوائيات والمقابر، وتم تسليم آلاف الشقق السكنية لهم والبناء مستمر ويتبرعون لتوفير الإفطار لعشرة ملايين مصري فقير وإكساء ملايين غيرهم للعيد. هم المصريون أنفسهم الذين تبرعوا جميعاً قبل سنوات لدفع ديون مصر الخارجية. كل هذه المشاريع التي يتم تنفيذها بالتبرعات والعمل التطوعي تظهر بقصة جميلة في إعلان ودائما هناك نجوم ونجمات مصر يظهرون في هذه الإعلانات مع توجيه شكر لهم لمشاركتهم فيها مجانا. وتظهر منظمات مجتمعات مدني مع صور لمشاريعها الخيرية، واعلان جذبني كثيرا لشباب وشابات مستعدين تطوعا لمساعدة المكفوفين والعاجزين.

أين نحن من هذه الأعمال؟ أين تبرعاتنا وأعمالنا التطوعية؟ الجواب في الشارع والتسول الذي اصبح مهنة سهلة ومربحة جداً، لكنها مخجلة للدولة والمنظمات، والآلاف يسكنون في عشوائيات تمكنت بامتياز من القضاء على التخطيط الأساسي للمدن، بدءاً من بغداد. أين منظمات المجتمع المدني من هكذا فعاليات؟ أين أطباء العراق من مبادرات بناء مستشفيات تخصصية مجانية؟

العمل التطوعي ثقافة مجتمعية لا يحسنها العراقيون وإن كانت هناك حالات فردية ناصعة، لكنها تبقى محدودة دون دعم مجتمعي.. صحيح أن بناء المستشفيات والمجمعات السكنية من مهام الحكومة، لكن التبرع والتطوع لابد منهما لنشر ثقافة التسامح والمحبة والعطاء.

هناك من يقول إن الفساد المستشري حتى ضمن بعض منظمات المجتمع المدني أصبح عائقاً أمام فعل الخير، ولكن التبرع بشفافية من خلال حساب مصرفي ولمشروع واضح المعالم والأهداف وبتنفيذ متطوعين، قطعاً سيخجل الفساد والفاسدين..لنحاول..