ثقافة المحو والتلفيق

334

د. علي الشلاه شاعر بابلي /

ماذا لو لم يكن صدام في تاريخ العراق؟
سؤال طالما شغلني ونحن في حمّى التساؤل عن الخراب الحاصل وأسبابه، وهل يمكن أن نقارن بين زمنين كان أحدهما أساس كل الكوارث، بل هو الذي جرَّ إلى أخطاء تالية وخطاياه؟
وربما علينا أن نواجه الأخطاء والفساد المنتشر اليوم بعقلية سليمة تقوم على النظر إليها بعينين اثنتين، وليس بعين واحدة ، فالحاضر ابن الماضي ولا يمكن فصلهما والمقارنة بينهما بعقلية الأفضل والأسوأ ، فتفشي الرشا مثلاً ظاهرة انتعشت في سنوات الحصار عندما كان راتب الأستاذ الجامعي والجنرال العسكري ثلاثة دولارات، لكنها لم تتوقف عندما أصبح راتبهما ثلاثة آلاف دولار بعد سقوط الدكتاتورية، وليس المقصود هنا أن الرشوة منتشرة لديهما، بل للقول إن الاعتياد على الفساد يولد الشَّرَه والطمع ومحاولة الإثراء السريع بأي طريق كان، فالذي سرق ليأكل قد اعتاد السرقة ولم يعد قادراً على إيقافها، وهو يسرق اليوم ليبني قصوراً، أو ليشتري أحدث السيارات، أو ليخزن المال المسروق للزمن الأسود الذي تنتهي به سلطته وسطوته.
ماذا يفعل هؤلاء اللصوص الذين يكنزون اليوم ملايين الدولارات بكل هذه الأموال، ومتى سيحسّون بالاكتفاء والشبع؟
وهل أن الفساد مقتصر على طبقة واحدة من المسؤولين والتجار والمقاولين، أم أن الامر تطور ليصل إلى بعض صغار الموظفين في الدوائر، ولاسيما في الدوائر المتعلقة بإقراض الأموال أو بيع العقارات، ناهيك عن لجان فض العطاءات في الوزارات والمؤسسات؟
إن التسليم بشيوع الفساد في كل مكان والتركيز على هذه الفكرة هو محاولة فاسدة بامتياز لتيئيس الناس ولإضعاف مناعة ومقاومة الرافضين للفساد في مواقع المسؤولية. ولعل التساؤل عن منطلق مكافحة الفساد وهل نبدأ بالرؤوس الكبيرة أم الصغيرة أو الوسطى، إنما هو تهرب من الأمر، فمحاربة الفساد يجب أن تنطلق وتنطبق على الجميع دون تمييز حتى في التوقيت، وذلك هو أساس العدالة .
أعود إلى السؤال الأول لأقول إن صدام هو بداية كل مصيبة حلّت بالعراق، ولن يكفِّر عن جرائمه تلميعٌ مدروس من قناة موجّهة، فجرائم اليوم هي جزء من جرائم صدام دون أن يعني ذلك تبرئة المجرمين المباشرين الحاليين أو التقليل مما اقترفوه.