ثلاثة.. فقط !

446

#خليك_بالبيت

جمعة اللامي /

“إذا ما شَرَدَ الذِهنُ، عَمِيَت العَينُ”
(بوبيلوس سيروس)

احتفل المثقفون المصريون، بمناسبة مرور قرن كامل، على ميلاد الشاعر المجدّد محمود سامي البارودي، عند نهاية شهر تشرين الثاني سنة 2004. حدث هذا بالتزامن مع ذكرى مرور قرن كامل على ميلاد العلامة مصطفى جواد، من دون شمعة واحدة موقدة لهذا العراقي النبيل، اللهم إلا مقال قيّم كتبه الباحث جليل العطية في يومية عربية، وملاحظات في “ذاكرة المستقبل” دوّنها كاتب هذه السطور. كما احتفل أنصار المفكر اللبناني أنطون سعادة، في مطالع ربيع ذلك العام، بالذكرى المئوية لهذا المفكّر الذي ارتاد ما سمّاه: القومية السورية، ليطرح بذلك محوراً فكرياً لا يزال حيوياً في حياة العرب.
هذه المواقيت الثلاثة، وقد اخترتها عفواً، تمثّل “المركز العربي” إن صحّ التعبير. فمصر هي الكثرة السكانية والإمتداد الحضاري، ولبنان هو التعدد الثقافي، والعراق خريطة الأسطورة والواقع. ويمثّل البارودي وسعادة وجواد، إطلالات الماضي على القرن العشرين ــ حضوراً وإمثولات متميزة. لأنّ الثلاثة أصحاب مناهج في الفكر، كما في الحياة، وهم يتساوون في النسيان، ولا أقول في الجحود.
محمود سامي البارودي ــ المجدّد في مضامين الشعر العربي في القرن التاسع عشر، يكاد يكون مجهولاً لدى جسم ضخم من الشعراء العرب الجدد، الذين يدّعون التجديد، ولا يعرفون منابته. وجورج سعادة يكاد يكون مقصيّاً من أجندة منظومات ثقافية وأدبية عربية، لأنّها اختلفت مع الرجل، أو هو تباين مع منظريها في أطروحاته.
أما مصطفى جواد، فإن إقصاءه منظم تمام التنظيم وينطلق من منهج عنصري – طائفي، أرست الثقافة الشوفينية أسسه البغيضة، وبقي ورثته يعلون طابوقاته، آجرة بعد آجرة إلى يومنا هذا. لكن احتفال أهل الثقافة المصريين بشاعرهم البارودي، والحضوري العربي في ذكراه المئوية، يعيدان مسألة النظر إلى الرواد العرب، إلى واجهة الاهتمامات لدى من يرغب في نقد ماضيه وحاضره نقدا بنّاءً. وهو ما يحفّز وسائل الإعلام والاتصال العربية، ومعها مراكز البحوث والدراسات والجامعات، إلى ضرورة إعادة النظر في أجنداتها حيال الرواد في ميادين الآداب والعلوم والثقافة والفنون.
إنّ نسيان هؤلاء الرواد أو تناسيهم، لا ينبغي أن يحجب عن الجميع “الاستغفال المقصود” بحق زمرة من الكتاب والشعراء والفنانين العرب، الذين رادوا في “المضمون” ما تطامن عليه القوم، فاستحقوا اللعنة والقتل وهم أحياء.
وهؤلاء “رواد” بِحَقٍّ ــ والله ، لو عرف قومنا، أن الأمم تسمو بالمبدعين من أبنائها !