جذر المشاكل الإنسانية
عماد جبار /
هناك مبدآن عصبيان يسيّران الحياة الإنسانية هما: الربط العصبي المحكم، والمرونة العصبية. أما الربط العصبي فيشير إلى آثار التربية والقيم الثقافية وأحداث الحياة على تكوين الفرد وتوجيه نزعاته وتشكيل خصائصه وتعامله مع الآخرين، إذ أن من الصعب تغيير هذا الربط العصبي. ومن كشوفات علم الأعصاب أن هناك مناطق في دماغ الإنسان ودوائر تتخصص في أفعال وأفكار معينة توجِّه الفرد، فهناك مثلاً دائرة العاطفة، وهناك دائرة تنفيذ المهام، وهناك دائرة التعاطف والكرم والشجاعة والخوف والشر والإبداع والتفكير الديني والعنصرية والإلحاد… إلى آخره.
فالدوائر والمناطق الأكثر نشاطاً، أو تفعيلاً، بفعل الظروف أو خيار الفرد أو التحفيز الذي يحصل من البيئة هي التي تكون أكثر ثباتاً وصلابة. ففي بيئة عانت حروباً كثيرة مثل العراق بحيث أنتجت قيماً مجتمعية عنيفة ستتشكل بيئة اجتماعية تعزز دائرة العنف والخوف لدى الفرد. هناك تنشيط لهذه الدائرة في أية مؤسسة يكون فيها الفرد ابتداءً من العائلة في طفولته حين يعامل الإنسان بغير احترام وتوقير ويعاقب ويحاسب على أبسط الأفعال حتى آخر لحظة في حياته، إلى أن ينكسر طوق هذه الثقافة العنيفة وتتفتت مع الزمن عبر بروز قيم جديدة في التربية والتعامل الاجتماعي.
دائرة الخوف تتركز في ما يسمى (الأميجدالا)، وتقع في مركز الدماغ، وهي من أولى المناطق التي تشكلت لدى الإنسان في طفولته، وتقع في ناصية الإنسان، وهي آخر ما يتشكل عند الإنسان إذ تكتمل عند عمر الثالثة والثلاثين تقريباً. أما المرونة العصبية فهي مبدأ ظهر في العقود الأخيرة نتيجة الفحوص العصبية المتقدمة التي أثبتت أن الإنسان حين يغير بيئته، أو يتعامل مع ثقافة جديدة، أو يبدأ بممارسة أفعال جديدة مختلفة بشكل متواتر، فإنه من الممكن أن يفعّل مناطق مهملة في دماغه، ويتسبب في إعادة ربط دوائره العصبية وتغيير التركيبة العصبية لدماغه أيضاً. فمثلا قد يكون إنسان ما ذا ردود فعل عدوانية تجاه الآخرين، وحين يهتدي إلى هذا الخلل فإنه يمارس تمرينات معينة أو يتحكم بعملية ردود أفعاله عبر التنفس أو تشتيت الذهن أو الصلاة الصادقة، فإنه يشكل عادة جديدة بمرور الوقت تمكنه من أن يبطئ من ردود أفعاله. وهذا يختص بدائرة العاطفة، وبالذات (الأميجدالا) التي تفرز هرمونات الأدرينالين والكورتيزول لكي تحفز الإنسان إما للهرب أو مواجهة الخطر. وعبر التمرينات وطرق التفكير الجديد فإن الفرد يتوصل إلى جعل (الأميجدالا) أكثر استرخاء وينشط العقل بحيث يمكن له أن يتحكم بالعاطفة وينظم عملها .