جواد الحطّاب

895

حسن العاني /

تستعيد ذاكرتي عام 1999 حين صدر قرار صدام بمنعي عن الكتابة. كنت يومها مشرفاً على صفحتي (4-5) أو (الملون الاول) في مجلة “ألف باء”، زيادة على التحقيقات الاجتماعية. وكان المفروض أن يتولى زميل آخر تلك المسؤوليات، إلا أن الصديق الراحل، الأستاد أمير الحلو، رئيس تحرير المجلة، أصرّ مشكوراً على بقائي مشرفاً مع استمراري بالكتابة تحت اسم (وهمي مستعار).. كانت محنة حقيقية، فكرت بها وتأملتها جيداً، وخطر على بالي لو أن السيد الرئيس “حفظه الله ورعاه” طلب من الحلو إحضار هذا الكاتب لكي يكرمه مثلاً أو يعدمه، فماذا يفعل رئيس التحرير؟ ألا يعرض حياته للخطر، أو تُوجه له تهمة التآمر معي لقلب نظام الحكم؟ وقبل ذلك تساءلت من يحميه أو يحمينا؟ وهكذا تخليتُ عن فكرة الاسم الوهمي، ولجأت الى بعض الأصدقاء والزملاء (خاصة في المجلة)، واستعرتُ أسماءهم للاختفاء وراءها (بموافقتهم طبعاً)، وهي مجازفة على الطرفين لا تحمد عقباها إذا تناهت الى أذن السلطة، ومع ذلك تحلّى زملائي النبلاء بالشجاعة، وأقرضوني أسماءهم لوجه الله.. ونشرتُ عشرات “المواضيع” باسم أطوار بهجة (رحمها الله) وراجحة عبود وجواد الحطاب وحميد عبد الله وعذراء السامرائي ومصطفى كامل ومحمد حمود وخلود الدايني (رحمها الله) وعبد الوهاب النعيمي وغيرهم..
صديقي الشاعر جواد الحطاب كان مندفعاً في (إقراضي) اسمه، حتى أنه، وقد تأخرت مرةً في استعارة اسمه مدة طويلة، همس في أذني مازحاً “أنا لا أكتب هذه الأيام”، وغير هذا لم يكتفِ الرجل بمنحي صكاً مفتوحاً للكتابة باسمه في “ألف باء” بل في أي مطبوع آخر بغض النظر عن طبيعة المادة، ومن دون الاطلاع عليها، متحملاً أية مسؤولية قد تنجم عن ذلك.. ودفعه موقفه الشامخ إلى الاتفاق معي على كتابة عمود نقدي في جريدة (الاتحاد) العراقية التي كان يتولى مسؤولية فيها، تقديراً منه وتفهماً للظروف المادية الصعبة التي كنت أمرُّ بها بعد المنع، وأخبرني أنه سيدفع لي مبلغ (15) ألف دينار عن كل عمود، وهو يعتذر لأن المبلغ قليل جداً ولا يليق باسمي، ولكن هذه هي إمكانية الجريدة، ومع رفضي الشديد عرضه السخي خوفاً عليه مخافة وقوع المحذور، إلا أنه تمسك بموقفه..
اخترت مفردة (نواعم) عنواناً للزاوية، أما الاسم المستعار فكان (عبد الله المنسي)، وسلمته مجموعة مقالات. وبتاريخ 29/6/2002 ظهرت المقالة الأولى، ومع ظهورها تبرع قلمان من جريدة الاتحاد، ورفعا تقريراً رفيع المستوى الى (الاستاذ الفاضل عدي) يكشفان فيه بالأدلة القاطعة هوية كاتب العمود (الأصلي) بعد حصولهما على نص المادة بخط يدي، وتعرفهما قبل ذلك على أسلوب حسن العاني المعروف في الكتابة.. وعندما حلّ الأسبوع الثاني لم تظهر مقالتي، وحين استفسرت من صديقي الحطاب تلمّس عذراً واهياً، ولم يخبرني بأن هناك لجنة تحقيقية تشكلتْ بأمر من عدي لاستجوابه حول ما إذا كان (عبد الله المنسي) هو حسن العاني.
وظل الأمر خافياً عني الى أن أبلغتني الزميلة أطوار بالمشكلة العويصة التي يتعرض لها الحطاب ولذلك قصدته في الحال، وعرضتُ عليه صيغة نتفق عليها لمواجهة المشكلة، لكنه أصرّ على إبعادي.. وحصل على عقوبة بسبب تستره على كاتب ينشر مقالاته وهو ممنوع بأمر الرئيس، كما تم إجهاض العمود في أسبوعه الأول.. ويقيم الحطاب لنا (خضير الحميري وحسن عبد الحميد وأنا) دعوة غداء سمكية موشومة بالحلويات والفواكه والكرزات والمشروبات، قدرتُ أنها كلفته (300) ألف دينار أو يزيد، وفي أثناء الجلسة استذكر صديقي مئات المواقف وأيام ألف باء وكل شيء، ونسي فقط أن لي في ذمته 15 ألف دينار!!