جيلُنا الذي نحبّ
جواد غلوم/
لستُ ممن يتعلق بالماضي ولو كان جميلا زاهيا، واعرف تماما ان ماضينا كانت سماؤه مرصّعة بالنجوم اللامعة برغم شدة اسودادها، لسبب بسيط جدا هو ان الهيام بالماضي لايعدو كونه تعطيلا للطاقة البشرية الفردية والجمعية الساعية لترميم حاضر منهك وبناء مستقبل رصين.
لكني احب ان اقول لجيلنا الحالي اننا جهدنا وشقينا كثيرا حينما كنّا طلبة وتعلقنا بالمعرفة وسعينا مشيا على اقدامنا مسافات طويلة جدا للوصول الى مقاعد الدراسة وكنا نحترم معلمينا الى حد القداسة ولم نطلب عونا من مدرس خصوصي أو نستعين بكراسات الملازم التي أضحت شائعة الان. لم نكن نشكو يوما من كثرة وكثافة المنهج الدراسي أو الواجبات البيتية وعبء الكراسات والقراطيس الثقيلة التي نحشرها في حقائبنا حشرا ونحملها على اكتافنا برحابة صدر برغم وزنها وأحمالها الحانية لظهورنا.
يزاد على هذا الاهتمام والحرص على التعلّم؛ فقد كانت مدارسنا حلبة للنشاط الأدبي نتنافس في كتابة المقالات والقصائد والقصص ونبرع في اظهار النشرات الحائطية ونعلقها أمام الأنظار زهوا وابتكارا. جيلنا وان تلقّى الكثير من فلَقات المعلم وتورّمت راحة يدنا وأصابعنا من ضربات تلك العصا القاسية في وقعها لكنها لم تثنِنا عن الدراسة الفائقة وحدنا دون عون من أب كان يكدح طوال نهاره وأم لم تتعلم قبلا كي تكمل مابدأه معلمنا لحفظ وتدريس المواد. وطبعا ليس في حوزتنا حاسبة تعيننا ولا ايّ شيء من تقنيات هذا الزمان من الأجيال الجديدة من مبتكرات الاي فون والاي باد والنقّالات الذكية والهواتف وملحقاتها العولمية متعددة الأغراض، ومع ذلك تفوّقنا وبرزنا وارتقينا في الصدارة. أجل لم نكن في يسرٍ مادي لكن ثراءنا بقي زاخرا في رقينا العقلي ونفوسنا المهذبة التي صقلناها بكل ماهو نافع بدءا من ترسيخ المهابة والتقدير والاعتزاز بوالدينا واخوتنا وجارنا ومعلمنا واصدقائنا وكل من يحيط بنا.
ليتكم تعيدون لنا ماافتقدناه الآن وخذوا كل زركشاتكم العولمية وأغانيكم الناشزة وهزال علاقاتكم المجتمعية والأسرية وكل ماهو شائن، لست بحاجة اليها، فقط ردّوا الينا ولو شيئا يسيراً مما افتقدناه وأعدكم حتما بجيلٍ يسمو بوطنه عاليا ويضعه في مصاف الدول الراقية، ذلك هو رهاننا الرابح الذي لايخيب.