حبٌّ يعتزل..
سعاد الجزائري /
“الاستلاب”.. باتت المفردة الأكثر حضوراً في حياتنا الآن، بل أصبحت قوتنا اليومي، نشربها ونأكلها ونكتسي بها، برضانا أو بدونه، تتقاذفنا السياسة من ناحية وكورونا من ناحية أخرى، والتشتت من ناحية أعم وأشمل، ونحن نعوم في فضاء مجهول، يزداد غموضه يوماً بعد آخر..
فقد بدأنا نتجرد تدريجياً من حقوقنا البشرية، ونتحول شيئاً فشيئاً إلى كائنات حيوانية الطباع والعادات، ونجيد الافتراس…
قالوا وكتبوه في ميثاق عالمي: يحق للإنسان أن ينتمي إلى وطن، فضاع الوطن منذ عقود طويلة وضيعوا حتى أحلامنا به..
وقالوا: يحق لنا العيش بكرامة بتأمين احتياجاتنا الحياتية، لكنها لم تتوفر لأنها استلبت منا قسراً، وقدموا لنا، ومنذ عقود أيضاً بمقابل أو بدونه، الذل والمهانة..
قالوا: يحق للإنسان التعليم فانتشر الجهل، وتوزع الأطفال على الأرصفة والطرقات ، يتصدق عليهم الفاسدون بما سرقوه منا.
وأصبح البعض يقتل أخاه وهو يصيح (الله أكبر)، وبعد انتهاء مراسم القتل يستغفر ربه..
وقالوا: يحق لنا العيش بأمان، والأمان الآن يفسر أن تغادر البيت وقد لا تعود إليه، وأن تقوم بمقايضة حياة بأخرى، باسم الثأر أو قانون العشائر..
فأي حق إنساني بقي لنا نحن البشر؟ سواء الذي يخصنا أو يخص عواطفنا، حتى علاقاتنا الإنسانية بدأت تُستلب منا تدريجياً، بحجج أو بأكاذيب وبائية أو بتدخل قانون بشري،
نحن نعيش الآن في عصر الاستلاب، الذي يتم بموافقتنا أو بدونها، نخلع عنا حقوقنا تدريجياً وسنبقى عراة من إنسانيتنا ومن تقاربنا أو تلاحمنا وتراحمنا الروحي..
أين نحن الآن من أجيال مضت، كانت معرفتها أقل من ربع معرفتنا، لكن إنسانيتها تفوقنا بعشرات المرات، والرحمة والمحبة كانت المعيار الأخلاقي لهم، يوم كان الحب فيها وجهاً لوجه، وليس عبر أكاذيب ينقلها نيابة عن الإنسان جهاز الموبايل الذي حل بديلاً عنا، وصرنا أسرى سطوته، وبه تختزن كل العواطف، التي يخترقها المئات بل الآلوف وأكثر..
والحب؛ بفعل هذا الصراع الشرس بين السياسة والاقتصاد المتدهور والمغلف بحجة الوباء، بدأ ينزوي في مخبئه، خائفاً مرعوباً، فهو العملة التي لا يصلح تداولها في عالم محفوف بالكره والكذب والاستلاب.
الحب يختار عزلته خوفاً على نقائه، وأصالة معدنه، وتفرغ للعبادة في صومعته، يرتل قصائد الشعراء التي طرزوا بها بواباته..