حريق لندن.. قيمٌ ودروس
عوّاد ناصر/
الحريق الذي شب في عمارة سكنية، غرب لندن، قبل ستة أشهر، وصفه الإعلام البريطاني بأنه «أكثر الأيام حزناً» ووصفته وسائل إعلام أخرى بأنه «أطول الأيام» بسبب ما عاشه اللندنيون، لساعات عصيبة ودرامية، وما زالت مخلفاته تتفاعل حتى هذه الأيام، على شكل تظاهرات مطالبة بتعويض أهالي الضحايا.
العمارة/البرج السكني يتألف من اثنين وثلاثين طابقاً تسكنها حوالي ثلاثمئة نسمة.
شب فيها حريق انتشر بسرعة غير متوقعة. البعض رمى نفسه من النوافذ تحت وطأة شعور: أنا محترق لا محالة فلأقفز ربما ثمة نجاة!
أم رمت رضيعها من الطابق العاشر فتلقفه أحدهم على الأرض من دون أن نعرف هل وصل سالماً؟
أسئلة كثيرة أثيرت عما إذا توفرت إجراءات الصيانة في العمارة/البرج؟
أو: هل أُخذت شكاوى السكان، قبل الحريق بشهور، بشأن عدم صلاحية البناية للسكن بنظر الاعتبار؟
الرعب في العيون يختلط بالدموع: كم أم، أو أب، لم يستطع إنقاذ أبنائه؟
كم ابن، أو بنت، لم يستطع إنقاذ والديه؟
ثمة قصص مريرة لم يكتبها أو يصرح بها أحد حتى كتابة هذا العمود. منها: ماذا كان يدور بخلد تلك الأم التي رمت برضيعها من الطابق العاشر ليتلقفه أحدهم على الأرض؟
ثمة قيم بريطانية (أو غربية) تلخص مشاعر التضامن الحميم: حتى مراسلو الوكالات والفضائيات كانوا يبعثون بتقاريرهم الحية وهم يبكون.
كاميرات التلفزيون سلطت الضوء على مسلمين ومسلمات (محجبات) في قلب الحدث: أما ضحايا أو متطوعون، أي: ليس ثمة موقف مسبق من المسلمين. المسلمون كانوا يبكون أيضاً.
أعلن الحداد في عموم الدولة..حتى عمال النظافة كانوا في الإنذار.
التبرعات ثقافة شعبية: بعد ساعات بلغت التبرعات أكثر من ربع مليون جنيه إسترليني، عدا العينية.
نجوم ومشاهير فن وأدب وتلفزيون كرسوا صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الناس على التبرع بينما كان المشاهير يتصدرون لائحة المتبرعين.
«ثقافة التبرع» قيمة غربية غائبة عن الثقافة العربية للأسف. حتى أغنياء العرب، نجوم أو غير نجوم، لم نقرأ أو نشاهد أو نسمع بأنهم تبرعوا لأبناء جلدتهم في العراق أو سوريا أو….
مواطن بريطاني فقير حمل قنينتي ماء للتبرع بهما! صرح للصحافة: أنا فقير وشحاذ..لا أملك غير هذين!
المهم، مشاعرك الدافئة لا كمية ما تتبرع به.
لم ألحظ وأنا أزور المكان، وبعدها عندما عدت، لأرقب الحدث عبر التلفزيون الحي، أية اتهامات دينية أو عنصرية، ولأن الثقافة البريطانية، عموماً، محافظة، لم يوجه أي أحد، أسود أو أبيض أو أصفر، اتهامات لأية جهة إرهابية (داعش مثلاً)، لأن الجميع بانتظار ما تسفر عنه التحقيقات..أو مخافة أن يؤثر أي تصريح على مجريات التحقيق.
لندن، كلها تقريباً، ذرفت الدموع على ما جرى، والدولة أعلنت الحداد بعد أن جهزت أكثر من مئتي سيارة أطفاء بلغت المكان خلال ست دقائق.
محافظ لندن، صادق خان، الباكستاني، كان في قلب الحدث بعد سويعات يلتقي بالمارة ويواسي السكان ويقبل الأطفال والكبار من الناجين.
لندن حزينة، لكن وطأة الحزن تخف تدريجاً عندما يقف المواطنون كتفاً إلى كتف وساعداً إلى ساعد بمواجهة الكارثة.