حكايات مكهربة !!

381

حسن العاني /

ثمة في تاريخ الدول والشعوب والعوائل والأفراد ما يدعوها إلى الاعتزاز بموروث نبيل، أو موقف مشرِّف، أو مكرمة أخلاقية تدعو إلى التباهي و.. وغالباً ما تتخذ الدول من تلك المواقف عيداً وطنياً ، وتربي أجيالها عليه.. في المقابل، هناك ما يخدش تواريخ التجمعات البشرية، على تنوع مسمياتها، وتتمنى تلك الدول لو أنها تحررت من تلك التواريخ، أو أن ما حدث لم يحدث..
العراق لا يخرج عن هذه الثوابت، فتاريخه حافل بالشواهد التي تدعو إلى (رفع الرأس) عالياً. من ذلك موقف العشائر في ثورة العشرين وهي تواجه جنود الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، بما لديها من سلاح حديث وإمكانيات عسكرية جبارة، بأقل الأسلحة تأثيراً في الحروب (المگوار)، وما شابهه من عُدد قتالية هي أقرب ما تكون إلى اللاشيء، وما زالت المضايف العراقية تستذكر بفخر هوسة (الطوب احسن لو مگواري)..
في المقابل، هناك ما يخدش التاريخ، وتتمنى الشعوب والدول لو أن الذي حدث يُمحى ويُنسى، أو أنه ما حدث، ولعل حكاية (الحواسم) من أبرز الأمثلة على ذلك، بالرغم من أن عديمي الوعي واللصوص، الذين خدشوا تاريخ العراق المشرِّف، لا يمثلون نسبة تستحق الذكر..
“جدوع الصبحة” – رجلٌ يُسمى باسم أمه – واحد من عراقيين قلائل برز اسمه في (الحواسم)، وفلت من العقاب، مع أنه لم يترك مصرفاً ولا قصراً رئاسياً ولا مبنىً حكومياً، إلا وسطا على محتوياته تحت سمع وأنظار (قوات التحالف الصديقة).. وهكذا تحول من متسكعٍ يعيش على قنينة غاز مسروقة أو احتيال على صاحب متجر، إلى رجل يقود سيارة فارهة ويرتاد المطاعم الفاخرة ويتزوج ويطلق بثروته. ولأنه لا يدري كيف يتصرف مع وضعه المالي الجديد، فقد افتتح له مكتباً واسعاً للتجارة، وهو لا يعرف ألف باء هذه المهنة، لذلك كان يربح مرة ويخسر عشرين مرة، وظل يتنقل من عمل إلى عمل آخر، ومن خسارة تتلوها خسارة، قبل أن يستقر رأيه على مشروع لتربية الدواجن، وقد نصحه المنتفعون من حوله أن يعدل عنه، لكن من دون جدوى، إذ قال لهم يومها [أنتم تعرفون أن وزير الكهرباء رجل وطني وتكنوقراط ، وهو يصرف كل عام ملايين الدولارات لتحسين الطاقة الكهربائية، إلا إن ظروف البلاد الصعبة تحول دون نجاحه، وقد فكرت أن هذه الملايين الحلوة يمكن أن أحصل عليها وحدي.] ولكي يوضح عبارته المبهمة قال [ سأقوم بإنشاء عشر محطات لتربية الدواجن، وسيتولى العمال جمع الفضلات والنفايات، ثم أبيعها إلى وزارة الكهرباء.] وظنّ من ظنّ أن الرجل قد أصابته لوثة عقلية، ونصحه من نصحه بأن التجارة في لحوم الدواجن معرضة للخسارة الأكيدة بسبب الأمراض ومنها إنفلونزا الطيور، غير أن جدوع الصبحة سخر من أفكارهم وقال [لقد قرأت خبراً في الجريدة يفيد بأن هولندا، وهي البلد الحضاري المتطور، افتتحت أول محطة كهرباء في أوروبا باستخدام مخلّفات الدواجن، قادرة على تلبية احتياجات أكثر من 90 ألف منزل إلى الكهرباء!