حكاية لا تحتاج إلى عنوان

182

نرمين المفتي/

في رواياتها العديدة، هناك رواية عن العراق وأخرى عن فلسطين.. لكن روايتها الأخيرة (حكاية لا تحتاج إلى عنوان) تبدو تماماً سلوى التي أعرفها..

سلوى الجراح، وجدت نفسها فلسطينية عراقية جداً، لماذا لم أستخدم فاصلاً أو حرف العطف (واو) بين الانتماءين؟ لأنها ليست فلسطينية وعراقية بسبب الولادة قبل النكبة والنزوح واللجوء إلى العراق بعدها وهي طفلة، إنما لأن روحها فلسطينية عراقية. هي ليست روحين في جسد واحد، إنما روح واحدة تصبح عراقية الى درجة الوله، وهي تنطق بغداد أو كركوك أو الفاو، المدن العراقية التي عاشت فيها، وتغص بهذا الوله قبل أن تكمل الاسم بدمعة، وبالوله نفسه تصبح فلسطينية وهي تنطق عكا او حيفا أو القدس، ودائماً ما تكون هناك دمعة، سواء في نبرتها أو عينيها..
شخصياً، عرفتها وأحببتها من خلال صوتها كمذيعة ومقدمة برامج ومحاورة متميزة في البي بي سي، قبل أن أتعرف إليها شخصياً. وفي رواياتها العديدة، هناك رواية عن العراق وأخرى عن فلسطين.. لكن روايتها الأخيرة (حكاية لا تحتاج إلى عنوان) تبدو تماماً سلوى التي أعرفها.. اختلف أسلوب كتابتها وطرحها لفكرتها من خلال امرأتين، (مريم) العراقية و(لميس) الفلسطينية، نجحتا في أن تكونا سلوى وهما تتحدثان عن معاناتهما وبلديهما وغربتيهما. في زيارتها الأخيرة إلى بغداد، قدمت سلوى روايتها كمسرحية مونودراما، وكانت قد قدمتها في لندن وعمان أيضاً. نسيت أن أقول إن سلوى ممثلة رائعة، وإن كان التمثيل بالنسبة لها هواية وليس احترافاً، كما أن لديها صوتاً جميلاً حين تغني، وإن كنت لم أسمع أغنية لها بالعربية، إنما أغاني بالتركمانية. نجحت في أن تحول الرواية إلى مسرحية هي مخرجتها، وتمكنت في حيز صغير، أن تقدم المسرحية لمجموعة من صديقاتها وأصدقائها باسترخاء رائع، وكانت تتحول من مريم إلى لميس من خلال اللهجة الى درجة تشعر المتلقي بأنه امام ممثلتين وليست ممثلة واحدة. لميس التي تربت في دول اللجوء على أن تحب فلسطين، البلد غير الموجود باسمه على خريطة العالم، ولم تره إلا بعد أن أصبح لديها جواز سفر بريطاني، ومريم التي استمرت تحفظ النصيحة التي سمعتها وهي في بغداد قبل أن تغادرها إلى لندن في الثمانينيات، وهي أن تكون حذرة حين تتحدث كي لا تنطق بكلمة قد تفسر وتذهب هي وعائلتها إلى كارثة. الرواية، أو المسرحية، رسالة حب إلى فلسطين والعراق والى كل امرأة فلسطينية وعراقية، سواء في الغربة او في الوطن. رحب بـ (الجمهور) زوجها (مصباح)، الذي أنهى تقديمها بكلمة محب، وفي نهايتها قال إن المسرحية إهداء إلى غزة، واستمر طوال المسرحية وكأنه جزء منها، فقد كان يتابع سلوى بحب واهتمام وقلق كبير وكأنه يشاهدها للمرة الأولى، وهو الذي تابع كتابة الرواية ومن ثم تحويلها إلى مسرحية خطوة بخطوة.. تحية كبيرة سلوى، حبة التمر برائحة القداح..