حكايتي مع الديك

22

عبد المنعم الأعسم

في حارتنا (والكلام لنزار قباني)
“ديك عصبيٌ مجنون
يخطب يوماً كالحجاج..
ويمشي زهواً كالمأمون”
وللفيلسوف (كانت) قصة عنوانها (الديك المزعج)، وكان يصيح فيقطع عليه تأملاته. وثمة مثل ألماني يقول “لا يمكن لديكٍ أن يتحدى ديكاً ويبقى على وجه الحياة.” وطبقاً لدراسة نُشرت في الدورية الإنجليزية (كورنت بايولوجي) قبل عشر سنوات، فإن الديك يقوم بالصياح في الصباح الباكر تحت تأثير (ساعة بايولوجية) داخلية في جسمه، حيث تمكّنه من تحديد الوقت بالدقة. وذهبت الدراسة التي وضعها عالم الجينات (تاكاشي يوشيمور) إلى أن الديك، حتى لو وُضع في بيئة مضاءة طوال الوقت، فإنه سيصيح عند بزوغ الفجر. وقد عرّض العالم ديوكاً مختارة لأكثر من 24 ساعة لظروف الإضاءة الخافتة لمدة 14 يوماً، ليلاحظ أن الديوك تبدأ النشاط والعمل الساعة 11.8 يوميا، وأنها تبدأ بالصياح عندما تشعر أن الفجر قد بزغ.
أما الجاحظ، فقد قال عن الديك في كتابه الشهير (الحيوان) إنه مشهور بالجَوَلان. ويقول التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) إنه صلف في طبيعته، إذ يلف ويدور في خيلاء نافشاً الجناحين. ويقول الكاتب المصري محمد مستجاب إن الديك يمتلك قدراً من الزهو، قد يسبب إقلاقاً للناس في الفجر الكاذب، قبل أن يصيح ممهداً للفجر الحقيقي بساعتين أو أكثر ليحرم الناس من النوم. فيما يقول محمد بن موسى الدميري، عالم الحيوان العربي الشهير، إن الديك أبله الطبيعة “إذا سقط من حائط لم تكن له هداية ترشده إلى أهله.”
أقول، بالمناسبة، قبل سنوات، ربما في مثل هذه الأيام، كنت شاهداً على حدث جرى في ميدان (ترافالغر) الشهير في قلب العاصمة البريطانية، له صلة بشخصية الديك ومعانيه الرمزية.. آنذاك عرفت أن هذا الطائر يمتلك صفات متضاربة لدى كل أمة من الأمم، حيث تجمع في ذلك الوقت حشد متوتر من المارة حول منحوتة على شكل ديك أزرق عملاق وُضعت في ذلك الميدان، ما أثار حفيظة بعض من المدافعين عن التراث البريطاني، الذين يعتبرون أن هذه المنحوتة ترمز إلى الشوفينية الفرنسية. وشأن كل التجاذبات والمجادلات التي تشبّ في مجتمعات تحتفظ بتقاليد احترام الرأي والخصوصيات، فقد انتهى الموضوع بانصراف المتجادلين وهم يتضاحكون، بالرغم من أنهم كانوا في غاية التوتر، مدافعين عن هذا الديك، او ساخطين عليه.
كان ارتفاع المنحوتة يصل إلى حوالي 5 أمتار، وقد نفذتها فنانة ألمانية اسمها (كاترينا فريتش)، بعد أن حصلت على ترخيص للمكوث في هذا المكان السياحي سنة واحدة، ونشرت الصحافة معلومات في غاية الأهمية عن القاعدة التي نصب عليها الديك، فقد أعدتها بلدية لندن قبل 150 سنة لتكون قاعدة أبدية لحصان منحوت، غير أنه لأسباب لم تُعرف لم يتم وضع الحصان، فبقيت خالية حتى العام 1998 لتستخدم بانتظام لبعض تحف فنية لفنانين كبار.
الفنانة الألمانية، صاحبة المنحوتة، قالت تعقيباً على الجدل الذي نقلت الصحافة وقائعه إن “الديك يرمز إلى التجدد واليقظة والقوة.” لكن البعض في بريطانيا لا يوافقها الرأي باعتبار أن الديك هو أيضاً رمز لفرنسا التي غزت بلدهم العام 1805.