حلب المتنبي

795

د. علي الشلاه/

ليس بوسع الانسان القفز على ثقافته الأصيلة ولا ذاكرته وقراءاته الأولى وهذا نابع من لذة الشعور بطراوة الأيام وجمال الطفولة وسهولة التأسيس المبني على خيار واحد وطريق واحد.

فأنا حين أعود الى ذكريات الصبا في حسينية ابن ادريس في الحلة ودروس السيد عبد الله الحسيني فيها والتي كانت تنحصر في شرح ابن عقيل في النحو واصول الفقه لمحمد رضا المظفر في الفقه وهي الدروس التي كان يتلقاها أبي وليس أنا في حين كنت انزوي في غرفة السيد (قاعة الدرس) واستمع الدرس واحفظه مشروحا من قبله دون ان اتدخل لا في القراءة ولا بالشرح لاني مستمع ولست طالبا.

غير ان ذلك كله قد تغير مع بداية رحلتي مع أبي الطيب المتنبي ونسخته المعاصرة ابي الفرات الجواهري.

فقد قادني الجواهري الى المتنبي في نونيته التي حاكاه فيها ووسمه بسيماء العراق بقوله في مطلعها…

تحدى الموت واختصر الزمانا

فتى لوى من الزمن العنانا

فيا ابن الرافدين ونعم فخر

بان فتى بني الدنيا فتانا

لقد وطد الجواهري علاقتي بالمتنبي عميقا فكان الشاعر الأول والمؤثر الرئيس بتجربتي وأكثر الرموز حضورا فيها وبقيت معه من حفظ اشهر قصائده في اعدادية الحلة وكلية الآداب بجامعة بغداد الى مهرجان المتنبي العالمي بسويسرا حيث اخترته رمزا للثقافة العربية واشهر فعالياتها في الغرب في ثلاث عشرة دورة بمشاركة مئات المثقفين من مختلف دول العالم ومضيت معه حيثما مضى. مضيت الى الفيوم ووجدته ولم اجد كافور، الا ان اكثر ما ارتحت اليه كان بيته في حلب التي كانت تشبهه كثيرا .. اليوم كلما سمعت بمأساة حلب تخيلت بيت المتنبي المتكيء على سوقها الخرافي وتخيلتني أبا الطيب في الكوفة هاتفا..

أرى العراق طويل الليل مذ نعيت

فكيف حال فتى الفتيان في حلب

شوق عارم يشتعل بي الآن الى المتنبي وهو يدخل حلب.