(حميّد)
كاظم حسوني/
(حميّد) للقاص د.سلمان كيوش, أرى أنها من روائع القصص العراقية التي تنفذ الى الوجدان, كونها تحتشد بكل معاني الحنين والوجع, وكما هو شائع تعد (حميّد) اسطورة الجنوب الأكثر شهرة, المكتظة بالحزن, الى الحد الذي ترنمت بها وانشدتها حناجر المغنين لعدة أجيال, ورددها المفجوعون, غناء ورثاء مضمخان بالبكاء والألم, ليتحول (حميّد) يا مصايب الله, الى صرخة مدوية تتدفق نغمتها الشجية الحانية في مطاوي الزمن, وهنا في قصة (حميّد) يجد القارىء السحر على أشده, تمسكه بعذابها وعذوبتها, هذه الأسطورة التي اخرجها القاص من رماد الزمن, وكتبها بكلمات حارقة كأنها الجمرات, جعلها تدميّ بذاك التأجج الأليم, حين اعاد اليها القاص زخما حضوريا مشبعا بالدهشة والعجب والتساؤل, انها قصة (عفرة) وحبيبها (جليل) التي جسدت الحب اللامعقول والمعاناة الأليمة لـ (عفرة) وكل ما لاقته من أجل هذا الحب من ظلم عات وماحق, لماّ زوجت قسرا من رجل نصف مجنون انجبت منه وليدها (حميّد) نكاية لتعلقها الذي شاع بـ(جليل), فما ان تبدأ بقرأتها حتى تأخذك عاطفة جياشة ويعتصرك الألم لمصير الطفل (حميّد) حين تفر أمه وتتركه من أجل حبيبها وسط الهور فوق جباشة عائمة, إذ نعيش مع (عفرة) وهي تقرر بعناد وعزيمة الرحيل مع (جليل) الى قرية بعيدة، تاركة طفلها (حميّد) على جباشة في متاهات الهور طعما للكواسر والخنازير، لتأتي النهاية صادمة باكتشاف (عفرة) هروب (جليل) منها!؟ واندفاعها بالمياه مفزوعة، أملا بالعثور على رضيعها، لاطمة رأسها اذ اضحت مجنونة تنشج بحرقة وصراخ مسعور، افزع مخلوقات الهور وغابات القصب، نادبة (حميّد، ياجباشتك هدمت حيلي), ولما غاب أثره برغم بحثها المحموم, في ساعات الفجر، ضجت معها المياه والغابات والحيوانات والبشر بنشيج مر و(ثغيب) ظل يتردد منذ أزمان بحناجر الأمهات والمغنين والمقهورين (حميّد) يا مصايب الله.