حنّا مينة.. صوت المهمّشين

632

رولا حسن /

رحل حنّا مينة مطفئاً قناديله الزرق، رحل الرجل الشجاع بعد أن كتب كل حكايات البحر والبحّارة، تاركاً كل ذكرياته في مرفأ بعيد، رافضاً في وصيته التي كتبها منذ فترة أن يذكر خبر موته في أية وسيلة إعلامية أو أن يجرى له تأبين، فهو يريد لعظامه الراحة وكل ما يريد سماعه من شكر وتقدير سمعه في حياته:”عندما ألفظ النفس الأخير آمل وأشدد على هذه الكلمة ألا يذاع خبر موتي في أية وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطاً في حياتي وأرغب في أن أكون بسيطاً في مماتي.”

ولد حنّا مينة عام 1924 في مدينة اللاذقية وعاش مكافحاً حيث تنقل بين أعمال كثيرة إلى أن استقر أخيراً في الكتابة. في كل أعماله يُظهر في البطل جوانب كثيرة من ظروف عاشها وكابدها, دعيَ مينة إلى المؤتمر الأول للأدباء العرب عام 1954الذي شارك فيه الكثير من الأدباء أهمهم مارون عبود، وعنه انبثقت رابطة الكتّاب العرب التي انتسب اليها الكثيرون، منهم الباحث حسين مروة إلى القاص يوسف إدريس إلى الشاعر عبد الوهاب البياتي. في عام 1968 أسس، مع مجموعة من الأدباء، اتحاد الكتاب العرب في سورية وصدر له أربعون عملاً روائياً.

حضر البحر في أدب حنا مينة بطلاً جغرافياً لم ينازعه أحد على هذه البطولة، ولا ينكر حنا مينة، الذي عاش في اللاذقية أغلب فترات حياته عشقه الملتهب للبحر، الذي كان مصدر إلهامة دائما.

يقول مينة: “البحر دائماً كان مصدر إلهامي، حتى أن معظم أعمالي مبللة بموجه الصاخب، وأسأل هل قصدت ذلك متعمداً؟ في الجواب أقول: في البدء لم أقصد شيئاً، لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة، أما العواصف، فقد نقشت وشماً على جلدي، إذا نادوا يا بحر أجبت أنا البحر، فيه ولدت، وفيه أرغب أن أموت.”

أعماله التي تركز على مزج الواقع بالرمز، والذاتي بالموضوعي، والفطري بالعقلاني، لم تحد يوماً عن هدفها في طرحها قضايا المسحوقين والمهمشين والفقراء والمستضعفين، فرواياته وإن انتمت إلى التيار الواقعي، فهي لا توغل في التسجيلية، فتفقد إخلاصها للفن ولا تنحاز إلى السياسي على حساب الفن، بل لطالما تميز أسلوبه بالرشاقة والسلاسة والخفة، التي لم تفقد القوة الممزوجة بالشاعرية.

جسّد حنا مينة مواقفه السياسية عبر أعماله الروائية، ولعل روايته (نهاية رجل شجاع) التي حولها الكاتب السوري حسن يوسف إلى عمل درامي تلفزيوني، وأخرجها المخرج السوري نجدت أنزور من أهم الروايات العربية التي نقلت ببساطة مدهشة، وسلاسة فريدة، الواقع المرير والمؤلم الذي كرسه الاستعمار الفرنسي في المجتمع السوري. وإذا كانت الكتابة أقصر طريق إلى التعاسة، على حد قوله، فقد فعل مينة ذلك وهو يزيح الأقنعة ويحكي عن المسكوت عنه ويضيء حياة المهمشين والمتعبين.

مضى حنا مينة الذي كان واحداً من أهم رواد التيار الواقعي في الرواية العربية، تاركاً بصمته الخاصة فيها، بعد رحلة طويلة لم تكن سهلة على الإطلاق غلب فيها العاصفة وبقي شراعه عالياً.