دبّوبة الزنجي
جمعة اللامي /
” البيانُ ترجُمان العلم”
(الجاحظ)
قلت لزميلنا الباحث الماجدي: “عليك بابن دبّوبة الزنجي، ففي صوته ما يجعل الناس يعرفون مشكلة كتابك”. وفاتني، وأنا بين متعجب وغير مصدق، أن ما قصهُ عليّ زميلنا، هو حكاية كثير من الشعراء والأدباء والباحثين مع كتبهم.
أشهد أن الماجدي ليس مدعياً، فلقد كنتُ أراقب عن كثب تجربته مع كتبه المطبوعة، ومنها أن كتاباً له حاز على تكريم وتقدير الذين يحترمون الكتاب وحملته، لكن أكثر من ألف نسخة منه بقيت مطروحة داخل شقته الصغيرة.
وفي كل يوم يدخل إليها أكثر من جريدة، وهناك زملاء يهدون كتبهم إليه. وهكذا امتلأت الشقة كتباً وأوراقاً، فوزع منها ما وزع، لكن صالة الشقة بقيت تحاصرها صناديق الكتب أسبوعاً بعد اسبوع.
قال لناطور البناية التي يقطن في إحدى شققها: “ساعدني يا مجيب الرحمن، واحتفظ بهذه الصناديق في مخزن البناية”. مطّ الناطور شفتيه ومضى في حال سبيله، وتحولت صناديق الكتب الى همّ داهم، خصوصاً بعدما تلقى زميلنا أجوبة بعض الجهات ذات العلاقة بالثقافة والكتاب، رداً على رجاءاته المتعلقة بكتبه. قال لإحدى تلك الجهات: “هذه الكتب لكم، خذوها من دون أي فلس، ووزعوها على ضيوفكم”، فجاءه الرد: “لا مكان فارغاً لدينا، مخازننا ملآى تماماً”.ً
وذات يوم، شاهد الماجدي ما يشاهده أغلبنا في ساعات معلومات من زماننا الحاضر: مجموعة من العمال يجمعون بقايا صناديق كرتونية ويرزمونها بعد فرشها على الأرض.
ـ “ماذا تعملون بها؟”.
ـ “نبيعها الى معمل تدوير القمامة”.
ـ “هذه ألف نسخة من كتاب ثمين، خذوها مجاناً، وتصرفوا بها كما تريدون”.
والآن، فذلك الكتاب قد اختلط مع مهملات أخرى لتتشكل منه عجينة يتم تحويلها الى صناديق كرتونية تعبأ بالقمامة والزبالة وأشياء أخرى مماثلة. قلت لنفسي “عندي ثلاثة عناوين جديدة، ومن الأصوب الاّ أتقدم الى مطبعة لطباعتها في الوقت الحالي”. وهنا قطع الماجدي حبل افكاري، وسألني: ما هي حكاية ابن دبوبة؟
قلت: كان يقف عند باب الكرخ ويقلد نهيق الحمير، فتجيبه الصاحية والمريضة، وأتمنى أن يقف الآن على رابية ما، ويخطب في الناس من أجل ألا يتحول كتاب إلى زبالة!!.