رائحة الكتاب

737

عبد الله صخي/

لسنوات طوال ظلّ الكتاب الورقي موضع اعتزاز القارئ الشغوف بالمعرفة، كما هو موضع اعتزاز المنازل التي خصصت له مكاناً بارزاً في إحدى غرفها أو جنَباتها. فالكتاب هنا، وإن يبقى مغلقاً جامداً، جزءاً من الجدار أو الخشب، إلا أنه يضيء البيت بشكله المهيب وأغلفته الجذابة، خاصة المجلدات المرصوفة بالحجم المدروس. لكن الهدف من الكتاب في الأساس ليس تزيينيا إنما معرفي، إذ أن وظيفته الأولى (قيمته العليا) هو أن يُقرَأ. وما الفكرة التزيينية إلا لإثبات معنى القراءة وأهميتها في الحياة. حتى في ميدان الفنون التشكيلية احتلت لوحة “القارئة” مساحة كبيرة في التاريخ الجمالي الأوروبي فرسمها كثيرون نذكر منهم: الفرنسي فراجونار، الإنجليزي هارولد نايت، الألماني أوغست ماك، وكثيرون غيرهم. إن هذا الاهتمام الاستثنائي بـ “الفتاة القارئة” لا يهدف فقط إلى إظهار اهتمام المرأة بثقافتها إنما للإشارة إلى أهمية الكتاب ورمزيته كمعيار معرفي إنساني. ركزت أغلب اللوحات على الفتاة والكتاب المفتوح أمامها دائما أو الذي تحمله بين يديها فيما الضوء يكللها أو يشع من صفحة الكتاب فيلامس وجهها وينيره. لكن الكتاب الورقي لم يعد يحتل تلك المكانة البارزة أمام الزحف السريع الصادم للكتاب الإلكتروني الذي بدأ يشغل اهتمامات القراء والباحثين ويسيطر على شبكة الإنترنت. وفي الوقت الذي أصبحت الثقافة متاحة للجميع بمجيئها إلى البيت والمدرسة والعمل، ومشاعة في أي وقت ولأي شخص، إلا أنها أدت إلى تراجع الكتاب الورقي. نلحظ ذلك بقوة بكثرة المكتبات الإلكترونية التي توفر المطبوعات المجانية، وبانحسار زوار معارض الكتب.

لقد اعتدت على أن أجمع الكتب في أي بلد أقيم فيه وأكوّن مكتبة خاصة لي وإن كانت صغيرة دائما لكنها منتقاة بعناية. إلا أنني سرعانما أفقدها بانتقالي إلى بلد آخر. ولأني أقمت في سلسلة من البلدان فقد خسرت سلسلة من المكتبات. وبعد ثورة الإنترنت وارتفاع أسعار الكتب عمدت إلى تكوين مكتبة الكترونية أحفظها في الكمبيوتر، وفي مخزن صغير بحجم الكف أنقله معي أينما أذهب. وإذ اعتدت، سنة بعد أخرى، على الكتاب الإلكتروني ونسيت رائحة الورق إلا أن هناك قراءً ما يزالون يهيمون بتلك الرائحة العبقة.