روائيونا لايشبهون ميلان كونديرا

632

علي حسن الفواز /

الذهاب الى الرواية بات نوعاً من الحل، ربما هو حلٌّ ماكر، أومخادع، لكنْه يظل بعيداً عن طريقةِ كافافييس في تبرير البحث عن الخلاص، فالبرابرة – هنا- لايشبهون القراءَ  المُحاصرين تماماً، ولا الرواية تشبه لعبة مناورة للإفصاح، ولا للكشف عن وجهٍ آخر للعلاقة مع أولئك القرّاء الخارجين من التاريخ، والذاهبين الى التخيّل  السردي، حيث تتحول الرواية  الى ما يشبه السحر، وحيث يتحول القراء البرابرة الى باحثين للخروج عن الحصار، وعن شفرات  أسرار التاريخ، ومقموعاته، وعن ماهو مضمر في سرديات الأساطير، وفي  سِيَر أبطال ذلك التاريخ أو ضحاياه.

أكثر من 1000 رواية وخلال خمسة عشر عاماً صدرت في العراق منذ عام 2003 والى الآن!! تكشف عن هذا الذهاب او النزوع الفنطازي الى الحل، الافتراضي أو الواقعي، ذلك الذي يتجوهر حول مواجهة ثأرية البرابرة، أو مع التاريخ، لاسيما التاريخ السياسي الذي كان يحمل في(كشاكيله) كثيراً من الرعب، والخوف والخداع والكذب والطلاسم..

ميلان كونديرا يكتب الرواية ببساطة، لا ينتظر أحداً، ولا يُنظّر للكتابة، ولا يفتح عبرها جبهةً مع التاريخ، ذلك الذي لايعنيه تماماً، رغم أنّ للرعب ذاكرةً إيطالية فاشية أيضاً، فهو يجد أنّ الرواية خارج الآيديولوجيا، وخارج الأرخنة، بقدر ما يجدها داخل الحكاية، حيث تفتح هذه الحكاية أفقَ الوجود، وليس نسيانه على طريقة الفيلسوف هيدغر، مثلما يجد في سرفانتس الحكواتي أكثر أهمية من ديكارت الفيسلوف في النظر الى موضوعة(الأزمنة الحديثة) والتي تعني الحداثة في توصيفها الثقافي والأنثربولوجي، إذ يفتح(دون كيخوته) العالم للتغيير، من خلال مغامرته في تجاوز عقدة التاريخ الفروسي، والتاريخ الاقطاعي، وحيث  تكون حكاية هذا الـ(دون) هي المدخل السري لتقويض تاريخ القرون الوسطى، في حروبها، وفي أنماط عشقها، وحتى في أنماط ثوارها..

روائيونا  يؤدلجون العالم على هواهم، يفتحون النار على التاريخ، والذاكرة، والمتحف والسلطة وكأنهم المخولون شرعياً لممارسة هذه اللعبة القاسية، وكأنهم يستعيرون خيارات الفلاسفة في هذا التقويض، إذ يكتب ريكور عن حمولات الهوية السردية الطاردة للهوية التاريخية، وحيث هايدن وايت عن التاريخ بوصفه سرداً، وحيث يكتب أمبرتو إيكو عن الفلسفة التي تلبس قناع الرواية، وبما يُعطي للروائي حقوق المؤرخ والسياسي والفيلسوف والمناضل والفقيه..

كونديرا يقترح لنا توصيفاً لهذا الروائي، إذ يقول: أنا مرتبط بالأزمنة الأوروبية، لكن بصفتي روائياً وليس كفيلسوف. وهو مايعني سخريته من كل تغيير غير منطقي للوظائف، ولعدم معرفة القدرة على أنّ وعي هذا التغيير هو المسؤولية الكبرى التي تؤطّر عمل الروائي، والتي تُحفّزه على أنْ يساند فاعلية الرواية في(سبر مايحدث داخل الإنسان) حيث اليومي، والحسي، والجمالي، وبعيداً عن أدلجة الخيارات، تلك الذي ذهب اليها الروائيون المؤدلجون الذين أدانوا(آنا كاريننا) أو انحازوا لخيارها العاطفي.

ألفُ روايةٍ قد تعني رقماً للتراكم، أو توصيفا للتحوّل، لكنّها تضع الدارس لها أمام معطياتٍ تفترض مقاربة هذا الرقم مع القيمة، ومع المغامرة، ومع طبيعة ما يخصّ تحليل تقانات الكتابة، ومدى فاعليتها في تجديد رؤية العالم، وفي إدراك التحولات الكبرى التي برّرت وجود الرواية كندٍّ للتاريخ، أو مغامرة تعبيرية أراد من خلالها روائيون مؤدلجون، أو روائيون لهم عُقدهم السياسية والطبقية والجنسية أنْ يُصفّوا حساباتهم مع التاريخ والسلطة والجسد.