رواتب و خلل

880

نرمين المفتي /

في التقرير الذي كشفت فيه النائبة د. ماجدة التميمي عن الرصيد المتبقي بعد تمويل الموازنتين الجارية والاستثمارية نقطتان لابد من التوقف عندهما: الأولى أن “نسبة الموازنة الجارية قد بلغت 95،7% وشكلت فيها نسبة الرواتب 65،9% وهي نسبة مرتفعة جداً” ، هذه النسبة ليست “مرتفعة جداً”، إنما مرتفعة بصورة غير منطقية. والخلل ليس في الذين يبحثون عن عمل في القطاع العام لأجل أن يعيشوا بكرامة ممكنة من خلال راتب ثابت، إنما الخلل الكبير في عدم وجود قطاع مختلط (٤٩٪ قطاع خاص و ٥١٪ قطاع عام) من شركات ومصانع تستطيع أن تستوعب العاطلين، الخريجين منهم خاصة. وهناك تقارير تشير الى توقف آلاف المصانع عن العمل. كذلك الخلل في هذا العدد الكبير من الجامعات الأهلية التي تخرّج سنوياً الآلاف من الطلبة يضافون الى طوابير العاطلين عن العمل.
والخلل أيضاً في بطء تنفيذ المشاريع الحكومية وفي منظمات المجتمع المدني التي عليها أن تدرب الشباب على البدء بمشاريعهم الخاصة. ولو أردنا أن نشير الى كافة نقاط الخلل، لتحدثنا طويلاً.
مع هذه النسبة المرتفعة للرواتب، ما يتبقى من الموازنة لا يكفي لتنفيذ ما يحتاجه المواطن، خاصة من البنى التحتية، وتبدو الدولة كربِّ أسرة يكدُّ ليل نهار ليوفر ما يقيم به أود أفراد أسرته، ودائماً يجد أن لديه أفراداً جدد. وفي خضم جريه اليومي، يقصّر مرغماً في أمور مهمة لإدامة حياة كريمة لأسرته الكبيرة، مثل التربية والتعليم والصحة والسكن والخدمات، خاصة وأنه بالكاد يملك موارد أخرى غير النفط، ودائما هناك بين أبنائه من ينتظر أن يحال الى التقاعد ويصفّي ممتلكاته في العراق ليذهب الى العيش في بلد آخر يسهم في اقتصاده من خلال شراء العقارات وصرفياته اليومية ودفعه للضرائب.
من يسيطر على هذا الخلل ويفكر في إيجاد حل؟ وإلا فإن هذه النسبة الى ارتفاع مضطرد، ومهما ارتفعت قيم الموازنات العامة فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه من تقصير في الخدمات الضرورية.
النقطة الثانية في تغريدة التميمي على تويتر إن “حصة الأسد من التخصيصات في موازنة 2019 تذهب لأربع وزارات هي النفط والداخلية والدفاع والكهرباء”. المفروض أن وزارة النفط هي من تمول الدولة و تمول نفسها كما يحدث في غالبية الدول النفطية، لا أن تخصص لها حصة أسد من الموازنة، هنا خلل ما لابد من معالجته، وللمثال وليس للحصر، فإن وزارة النفط الإيرانية التي تأسست في ١٩٨٠، بدأت منذ ١٩٨٧ بالاعتماد على نفسها ولا تتسلم أية حصة من الموازنة العامة، بينما تسهم بشكل رئيس فيها. كما أن هناك خللاً في وزارة الكهرباء التي يفترض بها أن تمول نفسها، وهنا لابد أن نشير الى عدم تعاون المواطن في دفع فواتير الكهرباء، خاصة وأن دفعها يعني تمويلاً لوزارة الكهرباء ويشكل أحد روافد الدخل القومي، وعدم الدفع فساد أيضاً، ولكن لابد أن نشير أيضاً الى المليارات من الدولارات التي استنفدتها هذه الوزارة دون أية نتيجة كبيرة في تحسن أدائها. ونتحدث ونشير ونخشى أن لا يتغير الواقع نحو الأحسن..