سأبني بيت الطين
سعاد الجزائري /
تستوطن أرواحنا وأجسادنا بذور الخير والشر، أو الحب والكره، ويتوقف علينا شخصياً التلاعب بفعاليتها وأسبقية الواحدة على الأخرى. وسرعة نمو تلك البذرة مقارنة بالأخرى مرتبط بشكل وثيق بتربيتنا ووعينا وإدراكنا لحقنا وحقوق الآخرين. فالحب والكره يولدان معنا منذ لحظات الحياة الأولى، ثم يمران بمرحلة النمو ويراهقان ثم ينضجان ويشيخان معنا أيضاً. نحن لا نستطيع التحكم بطول او قصر سنوات عمرنا ولا نستطيع التمسك حتى بأسناننا بنضارة الشباب التي تغادرنا مسرعة، وكأنها على عجلة من أمرها، بينما نستطيع التحكم تماماً وبشكل مطلق ببذور الحب والكره تجاه الآخرين، وعجلة هذا التحكم مرتبطة بالبيئة الأولى أولاً وبالوعي دائماً وأخيراً.. يردد البعض عن (التماس او التفاعل الكيمياوي) الذي يحصل بين طرفي العلاقة، وهذا صحيح ربما في شكله العام وفي اللحظات او السويعات الأولى، لكن ديمومة التواصل غير مرهونة بالكيمياء وانما بالتشابه والاختلاف في الأمزجة والآراء، وقبول كل منهما للآخر واحترام حقه وأسلوبه في الحياة.
لكننا نجد اليوم الاختلاف على أشدّه، وتحديداً في الوسط الثقافي، حيث يصل الخلاف الى مراحل الكره القاتل، وأسميه قاتلاً لأن من يشتم (الميت) بعد رحيله وهو مدرك جيدا أنه لن يتمكن من الرد عليه، لا يقل إثمه عن الطعن ليس بسكين قاتل وانما بتشهير مدمر، لأنه المطعون به في عالم آخر، لذلك على (الشاتم) ان يتحمل ردود أفعال هذه القسوة، حتى وان رحل هو الآخر الى عالم الغياب الأبدي.
الكره يحمل جنينه في رحمه، وكذلك الحب، وهذا يعيدني الى قسوة أيامنا هذه، فقد حصل الكثير من حالات الطعن والإساءة والتشهير لأناس، بغض النظر عن رأينا بهم، او قرابتنا منهم، إلا أن الإساءة جاءت بعد صمتهم الأبدي، وهكذا تشعبت وتفرعت الإساءة وكبرت شجرة الكره، وكأنها عشب بري ينمو أينما كان، ومد جذوره بسرعة غريبة داخل أجسادنا وأرواحنا، وحجبت هذه الشجرة عنا نور الشمس لتقتل حتى بذور الحب وتمنع نموها.
قد نختلف عن بعضنا في رؤانا وتقييماتنا لما يدور حولنا، ولا نزايد على بعضنا في حب العراق، لكننا نختلف في تقييم مصالحنا الشخصية مقارنة بالمصالح العامة، ومن يدعي الوطنية كجلباب يلبسه متى يشاء ويعلقه على المشجب عندما يقوده مزاجه العدواني الى ذلك، أقول إن الوطن لا يُبنى بالشتائم، والدفاع عنه لا يتم بأسلحة الطعن والتشهير، ومقاومة عدونا جميعا لا تتم بأن نهين ونسب بعضنا البعض، بل العكس، أننا بهذا السوء سنفتح باب الوطن لعدونا وسنفتح أبواب قلوبنا لسواد الكره.. وإذا ما ساد الكره والطعن والتنابز بين الطبقة الواعية فما الذي أبقيناه لمن حُرم من التعليم وبقي على محدودية وعيه وقلة إدراكه، واذا كانت الطبقة المتنورة تكسر مرايا النور فأي ظلام سنغور فيه.. أي انسان، بغض النظر عن مستوى تعليمه ووعيه يبتسم وجهه وتنفرج أساريره عندما يتحدث عن الحب، وتنقلب تلك الأسارير الى نقيضها عندما يسكنه الكره او عندما يتحدث عنه.
المثل يقول (لا ترمِ الناس بالحجارة اذا كان بيتك من زجاج) لذلك سأبني بيتا من الطين وانثر على جدرانه بذور الحب، كي لا يرجم (الأصدقاء) الورد بعد رحيلي.
وأجمل ما غناه ملحم بركات أغنية تقول: ما في ورد بيطلب ميّ، الورد بيبقى سكوت اذا ما سقيته شوي شوي، على السكت بيموت وكذلك الحب لا يطلب منا ان نسقيه، وان قطعنا عنه الماء سيموت.