سبب السعادة

481

حسن العاني  /

أصدقائي وزملائي والمقربون مني جداً، يعرفون بأن بيني وبين السعادة خطٌ أحمر عريض، بحيث لم أسأل عنها، وهي بدورها لم تطرق بابي، وهكذا فإنَّ الأيام السعيدة في حياتي لا تكاد تذكر، بل حتى اللحظات نادرة جداً، ومع ذلك فليس من الأمانة إنكار “المرة الوحيدة” التي تشرفت بلقائها مصادفة فاحتضنتها وقبّلت رأسها وكفيها وخدودها، بحيث عدت إلى منزلي مساء وأنا أترنح من الفرح، وربما لن يصدقني أحد اذا قلت إنَّ كل شيء في جسدي كان يرقص حتى نبضات قلبي إلى الحد الذي جعل ضغط زوجتي يرتفع ارتفاعاً مفاجئاً بعد أن ذهبت بها الشكوك إلى أن زوجها عازم على أمر لا أبغض منه على قلوب النساء.. لا ألومها بالطبع، ولا ألوم أفراد أسرتي وهم يتجمعون حولي مندهشين، إذْ لم يسبق لهم أن رأوا ربّ عائلتهم بمثل ذلك الانتشاء الذي وصل فيه الظن الآثم إلى أكبر أبنائي ليسألني خفيةً وبصوت هامس، إن كنت تعاطيت مشروباً كحولياً، على الرغم من معرفته إن الله سبحانه وتعالى جنّبني ثلاث محرمات في حياتي وهي “تعاطي الخمرة، والكبائر والسياسة”، ولعله كان على حق في ظنونه لأنَّ حالة الارتياح والانشراح والبهجة التي غمرتني في ذلك المساء أوقعته في الوهم وقادته إلى الظن!
ما حدث قبل شهر تقريباً، على آخر انتخابات برلمانية شهدها العراق، هو أنَّ حبيبتي وفي الوقت نفسه زميلتي الإعلامية الحلوة “كوكب منير”، اتصلتْ بي عبر الموبايل، وأخبرتني أنَّ هناك ندوة بالغة الأهمية تحت عنوان “نكون أو لا نكون أمام ثورة البنفسج”، يلقيها مسؤول حزبي رفيع المستوى؛ معروف بآرائه الحرة وطروحاته الديمقراطية.. والأهم هو أن نلتقي لأنَّها مشتاقة جداً لرؤيتي على حدّ تعبيرها.. ثم أبلغتني بالموعد والمكان.. وهكذا حضرت قبل الموعد بنصف ساعة.. والملعونة لم تحضر!!
تحدّث المحاضر الذي كانت تجلس معه صحتُهُ المتعافية وأناقتُهُ المذهلة إلى جانب حذائه المستورد وبدلته الارستقراطية ومسبحته الكهرب حديثاً جميلاً، وإن كان مطولاً عن تاريخ الانتخابات في العالم، وتطورها وأنواعها.. ثم عرج على تجربة العراق الانتخابية (بعد2003) التي مثّلتْ واحدة من أعلى صور الديمقراطية.. بل إنها تعدُّ متقدمة على الكثير من التجارب الانتخابية العريقة، سواء على المستوى العربي والاقليمي، أم على المستوى العالمي..
ختم الرجل كلامه، أو خطبته الممتعة، والمليئة بالاندفاع الوطني، وهو في غاية الحماسة والانفعال قائلاً: “إنّ عدم المشاركة، وهجر صناديق الشرف، يعدّ جريمة أخلاقية، وقبل ذلك وطنّيّة، ويؤدي إلى خراب العملية السياسية.. لذلك يجب أن تكون ثورة الأصابع البنفسجية حدّاً فاصلاً بين أن نكون أو لا نكون.. بين العودة إلى ظلام الأمس، أو الانطلاق نحو ضوء الغد”، وقد صفق له الحضور تصفيقاً حاراً منقطع النظير، ولاسيما أفراد الحماية الذين كانوا موزعين على أرجاء القاعة بأعداد لافتة للنظر!!
بعد انتهائه طُرحت العديدُ من الاستفسارات، وجرت حوارات ومداخلات عدة، وقد عقّب أحدهم وهو رجل كبير السن “أستاذ.. إذا لم يشارك في الانتخابات سوى 5%، فكيف تخرب العملية السياسية، هل يزداد عدد العاطلين عن العمل مثلاً، أو يتعرض الموظفون والمتقاعدون كل شهر إلى التهديد وأحياناً التخويف بأن رواتبهم ربما تخضع للاستقطاع أو التقليص أو التأخير أو.. أو.. أنا شخصياً أعتقد بأن نجاح الانتخابات من فشلها لن..”، قاطعه المحاضر غاضباً “أنت تخدم أجندة أجنبية”، وبإشارة غامضة من رأسه تم اقتياده إلى خارج القاعة تحت الضرب الشديد.. ولم نعرف مصيره.. ثم..
* حسن العاني… زين إنت ليش سعيد ما إفتهمنا؟!
– لأن كُنِتْ ناوي أطرح نفس السؤال.. ولذلك آني كلش فرحان!!