سر الحياة

6

نرمين المفتي

لا أدري كم تعاني اليرقة في شرنقتها حتى يكبر جناحاها وتصبح فراشة؟ قد تحاول كثيراً، وقد تتعب في ظلام يلفها، وقد تتعب مرة أخرى لتنفذ من الشرنقة إلى الشمس والأزهار، فقد أصبحت فراشة، لا تعرف، مثل غيرها من الفراشات، لماذا تجذبها النار حتى تحرقها؟
في قصة قصيرة لمولانا جلال الدين الرومي، نقرأ أن أربع فراشات كن يتناقشن حول سر النار، قالت الأولى إنه الدفء، وقالت الثانية إنه الضوء، والثالثة قالت إنه الاشتعال، أما الرابعة فقد قررت أن تعرف حقيقة النار، فاقتربت منها، ومن ثم اقتحمتها، ولم تخرج ثانية..
يقول مولانا إن الرابعة فقط عرفت السر الحقيقي، لكنها لم تخرج لتخبرنا به، إنه العشق الحقيقي.. إن سر الحياة، تماماً، كما اكتشفته الفراشة الرابعة، فقد كانت جريئة في عشقها للحقيقة.
لكل منا تجربته، نجاحه وفشله، آماله وخيباته، وأعرف مسبقاً أن الخيبات أكثر من الآمال في العراق، وربما في كل بلدان العالم، لكن اليرقة غادرت الظلام فراشة. قطعاً أن اقتحام الحياة أصعب من اقتحام النار، لكن علينا أن نحتفظ بطاقتنا الإيجابية، مهما كانت الظروف، ولابد من الإيمان بأن اليأس ليس نقطة نهاية، إنما نقطة بداية جديدة.
تحاول الظروف والأخبار، خاصة أخبار الفساد ومليارات الدولارات المنهوبة من قوت العراقيين وتكاليف بناء مدارسهم ومستشفياتهم وتحسين بناهم التحتية، وأخبار مواجهة الفساد، التي تشكل نسبة أقل من واحد بالمئة من أخبار الفساد، أن تدفعنا إلى التشاؤم من الغد، لكن الغد هو غد يوم آخر. لا أريد أن أبدو ناصحة، لكنني عودت نفسي على التشاؤل، هذا المصطلح الجميل الذي نحته الروائي الفلسطيني المبدع أميل حبيبي في روايته الساخرة (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل). أحياناً ترتفع نسبة التفاؤل، وفي أخرى نسبة التشاؤم، وأعرف مسبقاً أن تغيير هذه الأوضاع بأيدينا، التي نراها قصيرة، مع أن العين بصيرة..
شخصياً، حاولت من خلال عملي الصحفي، ربما لم أنجح في إحداث أي تغيير، لكن القراء الذين يناقشوني، يفرحوني بقناعتهم بما أنشره، ويعد الشباب منهم باستمرار محاولاتهم..
أنا، والذين في عمري، شهود شاهدنا كل شيء، الآن وسابقاً، في العراق وفي بلدان أخرى، وأيقنا أن هناك ثقباً أسود أرضياً كبيراً لا يشبع من المال، ويدفع لتدمير كل بلد ينفخ جيوب من في هذا الثقب. وأيقنا في الوقت نفسه أن هناك، في بلداننا، من يعرف هذه الحقيقة فيستغلها لنفخ جيوبه بالفساد ودفع الآخرين إلى اليأس. لنقتنع أن في اليأس سر الحياة في بداية جديدة، ولنستمر في محاولاتنا..