سعادة ومندسّون…

1٬306

نرمين المفتي/

قالت صديقتي الإعلامية الامريكية بأنها لا تعرف كيف تعتذر عما أصاب العراق بسبب أخطاء سبق وأن اعترفت كونداليزا رايس، وزيرة خارجية بوش، بأن إدارة البيت الابيض ارتكبتها في العراق بعد نيسان ٢٠٠٣.. وبدأت تشير إلى بعضها، وتوقفت عند الديمقراطية حيث حاولت أن تشرح بأن النظام السياسي المحاصصي ليس ديمقراطياً.. هنا، قاطعتها، وبدأت أشير الى أمثلة صارخة للديمقراطية في العراق التي فسحت المجال لكل من لديه فكرة سياسية او أجندة أن ينفذها حتى وإن كانت نتائجها ضد مصلحة البلد والعراقيين، من دون ان يُسأل او يحاسب.

حدثتها عن الفساد الذي يشكل إرهاباً داخلياً بإصرار وقلت إن عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر وثائق أصلية عن الفساد وتكشف أسماء المفسدين ولم نقرأ في أية صفحة تأكيداً بأن جهة رقابية أو قانونية طالبتهم بالوثائق للتحقق من صدقيتها والبدء بالتحقيقات. هذه الديمقراطية المطلقة مع الفساد، جعلت البعض يؤسس صفحات لنشر الوثائق فقط للابتزاز، ومرة أخرى، يعمل أصحابها بحرية مطلقة على أساس أنهم يطبقون حرية الرأي والتعبير، الحق الإنساني الذي حوّلته الديمقراطية العراقية الفريدة من نوعها الى تجارة مربحة جداً. وحدثتها عن الديمقراطية التي ابتكرتها المحاصصة و(أهدتها) عنفاً وحمامات دم مستمرة للعراقيين وهي (ديمقراطية التوافق) التي لفرادتها التاريخية فشل المحللون الستراتيجيون العالميون بتعريفها وهي ببساطة ان يشارك نواب في مؤتمر في دول عربية وأجنبية ويتخذون قرارات تدخل العراقيين بدوامة إضافية ولا يُسألون، وأن يخرج علينا نواب من كتل متصارعة مصالحها على الفضائيات ويستخدمون ألفاظاً غير لائقة ولا يتم تحويلهم الى الانضباط وكيانات تدافع عن مصالح دول إقليمية وعربية ولا تهمها مصالح العراق. وهذه أمثلة وليست حصراً.. و بـ (فخر) قلت لها ان المحاصصة بمختلف مسمياتها (توافقية وشراكة وطنية) جعلت العراق ،من دون منافس، بين الدول المتصدرة لقوائم الفساد والتلكؤ في العالم لأكثر من عقد وجعلت بغداد تتصدر قوائم المدن المهدِّدة للحياة. وجعلت العراق بلا كتلة معارضة او حكومة ظل تراقب الأداء الحكومي وتشخص الخلل لأجل مصلحة البلد وكرامة المواطن الذي أصبح بدل أن ينتمي الى العراق أولاً، ينتمى الى مكونِه، فقد جعلت من العراق بلد مكونات وليس شعباً واحداً متعدد الأعراق والديانات والطوائف.

صفنت صديقتي للحظات وتساءلت إن كنا سعداء في ظل هذه الديمقراطية، وتساءلت مرة اخرى كيف لم يكن اسم العراق في صدارة الدول السعيدة التي ظهرت قبل أيام وكانت النرويج في المقدمة.. وكان جوابي أن الذين تم اللقاء بهم في الاستبيان العالمي للدول السعيدة كانوا مندسّين..