سلوى زكو
نرمين المفتي/
الدمعة لم تكن بسبب تقدم العمر، إنما بسبب الوجع الذي يسكننا من قلة الحيلة لما يجري حولنا.. وبحسرة قالت “لم نحقق ما كنّا نحلم به”.
لا أحب أن أقارن الرموز العراقية بأية شخصية عربية أو أجنبية، لكنني أجدني مرغمة وأنا، في عيد الصحافة، أحيي الصحفية العراقية الرمز (سلوى زكو)، أن أشير إلى الصحفية الأميركية الكبيرة الراحلة (هيلين توماس)، التي لم تندم، من أجل وقوفها مع قضية فلسطين، أن تفقد منصباً، وأن تلغي جامعتها (وين ستايت) جائزة هيلين توماس لروح التنوع بذريعة “معاداة السامية”، لكن الاحتفاء بها استمر حتى رحيلها في 2012.
سلوى زكو لا تختلف عن هيلين في إيمانها بأن الديمقراطية الحقيقية لن تتحقق إلا بصحافة تتسم بالشجاعة والصدق. ولأجل هذا الهدف، عانت زكو الأمرّين، إذ عملت في وظائف عدة بعيدة عن الصحافة التي تحمل شهادة الدكتوراه فيها، وتحملت الاعتقال القاسي في ١979، واستمرت متمسكة بموقفها ومبادئها، وحين ابتعدت عن الصحافة مرغمة، استمرت بكتابة القصص والمسرحياتِ، ثم عادت اليها بعد 2003.
سلوى رمز عراقي، ليس في الصحافة فقط، إنما كسيدة مسيحية أصلها من الموصل، مع أنها ولدت في الحلة، وتزوجت من مسلم، ووالدتها التي عاشت لفترة في السليمانية، كانت تتحدث الكردية حين تغضب، وخالها الذي كان يعيش في كركوك يتحدث التركمانية ويرتدي الزي التركماني. عاشت طفولتها ومراهقتها في بعقوبة، وصادقت سيدة من النجف لتتعرف إلى هذه المدينة المقدسة وتتذوق الدهين والفسنجون في بيتها. لم تعرف عائلتها الطائفية سواء الدينية أو الإثنية، فهي العراق بكل تنوعه الجميل. وكصحفية، فإنها معروفة بجرأتها ولا تعرف اللف الدوران حول فكرتها، إنما تقولها مباشرة حتى لو أفقدتها هذه الجرأة صديقاً.
في لقاء سابق معها، قالت لي بوجع واضح “كبرت” ودمعت عيناها. ولأنني أعرفها جيداً، قلت لها إنها كما هي. الدمعة لم تكن بسبب تقدم العمر، إنما بسبب الوجع الذي يسكننا من قلة الحيلة لما يجري حولنا.. وبحسرة قالت “لم نحقق ما كنّا نحلم به”. وها أنا أقول بأنها صنعت الكثير وحققت الكثير بمواقفها وعراقيتها، وأن عشرات الصحفيين والكتاب الشباب يفتخرون بأنهم تعلموا منها، ومنشوراتها على الفيسبوك تضم دائماً إضاءات وعلامات طريق.
وأقول لها الآن إنها، وإننا، كنّا -وما نزال- نزرع الأحلام، وسيأتي بالتأكيد من سوف يحصدها يوماً، قد يشكرنا وقد لا يفعل. وأمنية أن نحتفي بها وهي بيننا وأن تكون هناك جائزة تؤسّسها نقابة الصحفيين العراقيين لأفضل صحفي شاب باسمها، وأن تحتفي أقسام الصحافة في كليات الإعلام بها.