سميرة مزعل

856

نجاة عبد الله/

تلك الميسانية الجميلة وهي تتنقل بعينيها بين الخضرة وعدسة الكاميرا .. ما أن تمر قرب الاستوديو المتواضع، الذي تدير به دفّة الصورة، حتى تضع يدك على قلبك خشية ان تسمع تلك المرأة الفاتنة نبضات قلبكَ وهي تبذر خليطاً عجيباً من المحبة والجمال والامتنان لهذا النبل المتّشح بالأسوَد، وهو يطل على العالم بنظرات تحمل تاريخاً هائلاً من الحزن والنضال ..

الطفلة التي اعتقلت لساعات وهي في المرحلة الابتدائية كونها مزقت منشورا يعود للبعث، والصبيّة الوحيدة التي اعتقلت بعمر الـ 17 في العام 1963 كونها صورت واقع المرأة والمعذبين من الشيوخ في الأهوار، غامرت ودخلت تلك المنطقة المكبّلة بالماء والطيور والمخصصة لقبح حياتهم، ومكثت في السجن لخمس سنوات ونصف السنة، حتى تدخّل الفيلسوف البريطاني برتراند رسل وأصدر قراراً من الأمم المتحدة أجبر فيه الحكومة العراقية على إطلاق سراحها.. واعتقلت لمرة أخرى في بداية الحرب العراقية الإيرانية وأعيد اعتقالها في العام 1987. وفي العام 1991 قادت تظاهرة في الانتفاضة الشعبانية ومكثت تسعة أشهر في الرضوانية وخرجت منه لتحكم بالسجن المؤبد .. لولا مشيئة الحياة التي طالبت بها لترمم جسد الطبيعة بصور ومعارض تشكيلية كثيرة

لم تكف عن تجسيد البؤس والشقاء وهي ترتفع بكاميرتها إلى أعلى الجبال وترتفع بها مرة أخرى الى أقصى نقطة في الجنوب لتعيش تلك المشاهد التي سكنت خيالها، كيف لا وهي التي نهضت بكامل عفّتها لتصل الكاميرا وتقتص من الفقر.

ألا تستحق تلك الفاتنة أن يقام لها تمثال وإن كانت على قيد الحياة في أهوار العمارة؟ وكانت قد اكتشفت أدق تفاصيل الجمال المخبوء هناك والتقطت أكثر الصورالتي أفرزها هول الظلم في ذات البقعة .. (جرغد) المرأة الموجوعة، إلى (يشماغ) الأب المسن، إلى قلق الطفولة .. ألا تستحق ان نقيم لها نصباً شامخاً في الطريق المؤدي الى حزنها وبيتها وكاميرتها وألبومات حياتها المليئة بالنبل .. أن يعترف العالم أجمع بأول فنانة فوتوغرافية عراقية ، بهذا الجمال المخبوء في أحد شوارع ميسان؟