سيرة ذاتية !!

182

حسن العاني/
لعلّني حسداً وغيرة من أستاذي الكبير يوسف العاني رحمه الله، قرَّرت أن أكتب سيرة ذاتية، أو مذكرات للبطاقة التموينية على غرار مذكرات الحقيبة للفنان الراحل…
وُلدتِ التموينية في عام (النداء) أوائل العقد التسعيني من القرن الماضي حين استجابت حكومتنا الوطنية (لنداء) الأشقاء في الكويت، وتولّت تحريرهم من (النغنغة) التي ينعمون بها، لأنَّ كثرة النغنغة تؤذي البدن، وتؤدي الى السمنة، وتُنسي الشعب الكويتي بأنَّه فرعٌ من أصل الشجرة التي هي نحن، وهكذا غزونا المحافظة (التاسعة عشرة) وأعدناها الى مكانها الطبيعي، ولكن العالم المعاصر لا يعترف بالنداء ولا المنطق السليم، ولذلك اجتمعت الكرة الارضية من القطب الى القطب، واتفقت البروليتاريا والبرجوازية على رمينا بتهمة الجريمة الدولية، وكلّفوا أميركا بتحرير (الفرع) من قبضتنا، وفرض حصار شديد على (الأصل) … كان من نتائجه ولادة البطاقة التموينية ولادة قيصرية لكي نواجه الجوع والحصار، ونأكل ونشرب بصورة (مقنّنة) وبالطريقة التي تقرّرها الحكومة وتعجبها وتشتهيها!!
من الطريف حقاً – كما كانوا يقولون لنا – إن ( القائد الرمز) صدام حسين وهو الخارج على القوانين، خضع لقانون البطاقة التموينية … حتى أن سيادته – على وفق الرواية الرسمية – (ضيَّع) البطاقة في أحد الشهور فلم يتسلّم حصته من الطحين والرز والسمن والشاي والسكر… والى أن تقدّم بطلب الى وزارة التجارة وحصل على (بدل ضائع) كاد يتعرض الى مجاعة حقيقية!!
الذين عاشوا تلك المرحلة يتذكرون أهمية التموينية في حياتنا، والتقلّبات التي مرّت بها، ففي شهر تنقص مفرداتها وفي شهر تزيد، فاذا نقصت كان ذلك بسبب الحصار، واذا زادت عشرة غرامات من السكر كان ذلك مكرمة رئاسية، وبالنظر لأهميتها التي لا تُقارن بأية أهمية أخرى، بدأت الحكومة تسحبها من الموظف الذي يترك وظيفته، ومن العسكري الهارب من الخدمة… وبات شرط (المواطنة) هو امتلاك التموينية، بحيث لا يكفي أن تكون حاصلاً على هوية الأحوال المدنية وبطاقة السكن وشهادة الجنسية وشهادة الكلية وشهادة الوفاة وشهادة لا اله الا الله … وبلغ من قوتها أنَّ النظام سقط وهي لم تسقط !!
مرّت على البطاقة التموينية عبر مسيرتها الطويلة العديد من التصريحات أفادت بأن تحسينات مذهلة ستدخل على المفردات تتضمّن اللحوم بألوانها والالبان بأنواعها والتشريب المعلّب وبابا غنوج، الا أنَّ تلك التصريحات كالعادة مجرد وعود كاذبة !!
ليس هذا هو المهم، فحياة العراقيين كلّها وعود… الامر المهم هو بقاء البطاقة فوق رؤوسنا تحمينا من الجوع، وتثبت عراقيتنا، ولهذا أوصيكم بالحفاظ عليها من الضياع، فبدونها تُحرمون من حق المواطنة ومن كل شيء، وقد يصل الأمر الى حدّ منعكم من المشاركة في الانتخابات المقبلة لو .. لو فكرتم بالمشاركة!!