شجرة البمبر..

1٬665

نرمين المفتي/

في سنة من ثمانينات القرن الماضي، وأنا في البصرة، تذوقت البمبر لأول مرة. طعم لذيذ جداً واسم موسيقي. قالت لي صديقتي عواطف، التي ستستشهد في 1987 إبان حرب المدن، أن اسمها اقتبس من صوت سقوط الثمار الناضجة وارتطامها بالأرض “أن صوتها يشبه صوت القنابل”. ولأجل سماع ذلك الصوت ( البمبر) راقبت شجرتها في البصرة، لكنني لم أصادف سقوط ثمرة ناضجة.. وتساءلت حين قتلتها شظايا صاروخ، إن كانت قد اعتقدت من صوتها أنها (بمبر)؟ وبحثت عن البمبر في بغداد ولم أجد إلا شجرة واحدة في قصر العباسة (أخت الرشيد) في باب المعظم، شجرتها جميلة ولأزهارها قبل أن تتحول إلى ثمار شهية، رائحة زكية.

جمعت المعمارية المتميزة، الصديقة فاتن الصراف، دفء البصرة وحميمتها ولذة البمبر وصوت ثمرتها و (شظاياها) وأصدرت كتابها الأول بعنوان ( شجرة البمبر- يوميات امرأة عراقية ).. لا يتمكن القارئ من مغادرة الكتاب قبل الانتهاء من قراءته. امرأة عراقية عنيدة تروي قصتها، بدءاً من طفولتها في البصرة، المعقل وأبي الخصيب.. البصرة قبل حرب الثماني سنوات حين كانت توصف بثغر العراق الباسم ومن ثم نزوحها مع عائلتها لمرات عدة بسبب شظايا (البمبر – الصواريخ)، مجيئها الى بغداد لدراسة العمارة في جامعتها، قبل أن تنزح عائلتها نهائياً إليها، ورحيل والدتها المفجع التي كانت سندها في دراستها وحياتها، إصرارها على النجاح وظروف الحصار والإعمار وفتحها لمكتب مقاولات في بغداد ومن ثم في منتصف تسعينات القرن الماضي، قرارها بمغادرة العراق الذي لم ترجع إليه إلا لفتح فرع لشركتها التي أسستها في دبي وأربيل والعمل على إغاثة النازحين.

قصتان جميلتان ضمن قصصها، الأولى قصة حبها مع من سيصيح زوجها ،والتي بدأت في العراق، الذي تغرب قبلها وتاه عنها، لكنهما أبداً لم يفقدا الثقة بأنهما سيلتقيان يوماً. والتقيا بعد سنوات طوال وقصة (أبو علي) النازح من محافظة صلاح الدين الذي التقته في مخيم للنازحين في عربت- السليمانية في يوم شتائي مثلج وموحل. رفض أبو علي تسلم أية مساعدات أو مواد غذائية، كان يريد أن يقضي مع عائلته جوعاً بسبب ظروف النزوح، وشرحت له فاتن أنها حين كانت بعمر ابنته، افترشت الرصيف بسبب النزوح عن البصرة وها هي اليوم أمامه معمارية وصاحبة شركة.. وبعد أشهر اتصل بها وقال إنه عاد إلى مضيفه بعد تحرير مدينته وإن ابنته قررت التفوق لتصبح مهندسة مثلها وشكرها لأنها منحتهم الأمل. الكتاب سرد جميل ورائع، ليست يوميات وليست رواية، إنما مروية بعناوين فرعية تقول الكثير..