شجرة الرمان

1٬202

أزهر جرجيس/

آندرياس فلّاح نرويجي من مدن الشمال يزورنا في الربيع من كل عام. ينزل مع فريقه من مدينة بودو ليقيموا مهرجاناً زراعياً سنوياً يبيعون فيه البصل والثوم والبطاطا واللفت وغيرها. آندرياس ليس فلاحاً عادياً فهو يحمل شهادة الليسانس في الآداب ويكتب الشعر ويعزف على الكيتار وله اطلاع واسع في التاريخ القديم. ما يجعلني مشدوداً لهذا الفلاح المختلف، غير الشعر والموسيقى والفجل الأحمر، هو حبه لتاريخ العراق القديم. يعشق ميزوبوتاميا ويهيم في أسطورة كلكامش ويمتلئ هاتفه النقّال بصور عن بابل القديمة وعشتارها. تعرّفت عليه قبل سنين وتبادلنا أرقام الهواتف وصار كلما وصل المدينة بعث لي مسجاً من خمس كلمات: «أنكيدو والفجل الأحمر في المدينة». حين يصلني مسج آندرياس أقفز إلى خزانة الملابس أغيّر ثيابي وأحمل معي هديةً عراقيّة أسرّ بها قلبه. آخر مرة زارنا فيها آندرياس كانت في الربيع الفائت. أهديته حينها رواية «وحدها شجرة الرمان» للروائي العراقي الجميل سنان أنطون. قال وهو يتناولها من يدي: ما هذا؟ قلت له هذه رواية تؤرّخ بعض ما جرى علينا بعد التغيير، دع ماريا تساعدك في قرائتها. قال امممم رمان هذا جميل، أنا أحب الرمان. ضحكت في سرّي وقلت نعم نعم سيعجبك الرمان الذي فيها أيها الفلاح الطيّب. على كل حال، شكرني الرجل وأهداني مكانها شوال بطاطا وكيس فجل أحمر من الذي أحبّه.
هذا الربيع لم يصلني مسج آندرياس. جاء الفريق من دون قائدهم. سألت ماريا، صديقته ذات الأصول اللبنانية فقالت بحزن: للأسف، منذ أن قرأت له الرواية وعرف ما جرى في العراق من موت ودمار وهو يمر بطور اكتئاب شديد ولا يقدر على السفر، لقد أحزنه وضع بلادكم التي يعشقها وصار يهذي في الليل مستفهماً: كيف خرّب الأوغاد أرض كلكامش العظيمة؟!
تألمت لأخبار صديقي الطيب وعدت إلى الدار. جلبت هديّة أعطيتها لماريا كي توصلها إليه مع سلامٍ وقبلات. قالت ما هذا؟ قلت هذه موسوعة تضم آلاف الفتاوى والخطب والتصريحات والمقالات والتغريدات التي نُشرت في درزن السنوات الماضية من عمر العراق الحديث. سألت وماذا أفعل بها؟، فقلت اعطيها لآندرياس علّه يعرف كيف خرّب الأوغاد أرض كلكامش العظيمة. قالت من ألّفها؟ قلت: الأوغاد طبعاً.