شموعٌ في ضوع شمعة الأعمى البصير

973

جمعة اللامي/

فَلا تَحْسَبوا دَمْعي لوجْدٍ وَجَدْتُهُ

فَقَدْ تَدْمَعُ الأحْداقُ مِنْ كَثْرة الضَّحِكِ

(أبو العلاء)

هذا البيت الذي بتوقيع أبي العلاء المعري، هو آخر أربعة أبيات يصف فيها شمعة. والمشهد ضيّق، والأمل بالله لا ينتهي، ولا يضيق. وقد جاء إلى الخاطر، مع الشمعة وأبي العلاء رحمه الله، خبر رجل من مصر، رحل في بداية تسعينات القرن الماضي، وترك وراءه أزيد من 40 كتاباً في الفلسفة والأدب، وعشرات التلاميذ والمريدين، ومئات المختلفين والمخالفين والمناوئين. ذلك هو الدكتور زكي نجيب محمود، الذي عرفته الأجيال مفكراً وأستاذاً جامعياً وكاتباً صحافياً لامعاً.

والذين شبّوا مع “الرسالة” يعرفون أنه رفيق الزيّات وأحمد أمين. أما الذين نضجوا أو كانوا يافعين من أمثال كاتب هذه السطور مع عقد الستينات من القرن الماضي، فيعرفون زكي نجيب محمود، مفكراً وَضْعيّاً، داعياً إلى الأخذ بالمنهج الغربي في الحياة والثقافة والأدب. ولذلك كان له مناوئون في الحياة المصرية، التي كانت على هيئة أشخاص في منابر، واتجاهات في مجلات وصحف.
كان أقصى اليسار في مجلة “الكاتب” التي تصدر عن الاتحاد الاشتراكي، حيث تخندق الجيفاريون والماويون ودعاة الثورة الثقافية. ورأس تحريرها القاص يوسف إدريس.

وفي مجلة “المجلة” تركز الخط السوفييتي، بشخص ابن البورجوازية المصرية لطفي الخولي.
وكان محمود أمين العالم وآخرون، من الشيوعيين الذين آمنوا بـ “الناصرية” في أكثر من مجلة وصحيفة وهيئة فكرية. ألم يكن العالم مسؤول الفكر والتثقيف في “التنظيم الطليعي”؟

أما زكي نجيب محمود، فكانت حصته مجلة “الفكر المعاصر”، حيث لقي إسناداً من وزير الثقافة في حينه، محمد عبدالقادر حاتم، فالتمَّ حوله نفر من جهابذة كتّاب الفكر والفلسفة في مصر والعالم العربي. فكان يمثل حالة نادرة في سوق بضاعاتها شتّى.

وكنتَ تعيش يومياً في جو صاخب وهدّار من النقاشات في الفكر والأدب والفن، والسياسة بالتالي. وكان صوت السياسة عالياً. وكان صوت اليسار أكثر علوّاً، حتى لقد كان الشارع يمتلئ بأصوات تدين “الوضعية المنطقية” التي كان زكي نجيب محمود، يدين بها في فترة من حياته.
على أنه ،مثل أي مفكر حقّ غايته الحقيقة، كان يطور نفسه، باحثاً عن الحقيقة.
وها قد ضاقت المساحة. ألم أقل إن الأماني ضيقة؟!!