صداقة الكتب
كاظم حسوني/
من بين الكتب الصديقة التي أعود اليها بين وقت وآخر ، كتاب ( تجارب في القراءة) للشاعر خيري منصور، الذي قدم فيه مجموعة مقالات، هي ليست دراسات نقدية، ولا عرضا لأعمال من الأدب العالمي ، انها شيء آخر يختلف في طريقته وتناوله ومزاياه، لعلها ثمرة تجربة الكاتب وذائقته الخاصة، ودليل اكتناز مخيلته بالخبرة، حيث تبرز حساسيته ومقدرته على الاستبصار في قراءة أخرى عمدت الى السير باتجاه معاكس صوب تخوم الحافات الخطرة، والتوغل في الطريق غير الممهدة في غابات المجهول، مدفوعا بهواجس كبيرة، وبنزوع فنان تشرب سحر الكتابة وعاد يتمعنها من جديد، لتلمس الاكتشاف المتنامي مع كل قراءة لتلك الكتب الثرة والأكثر صداقة واجتذابا لنا، ففي كتابه (تجارب في القراءة) حقق خيري منصور، عملا صب فيه، افتراضاته، تصوراته، واسئلته، وهواجسه، ليقول مايفكر به، وماترسمه مخيلته، ويبدو الكتاب من جانب آخر اشبه بسيرة ذاتية، سيرة قراءة، لقارىء مثقف يلج عوالم رحبة لروايات وأشعار وفلسفات وتواريخ لم تبارح الذهن، مما يكون مدعاة في اغوائنا لقراءتها مجددا بغية كشف التقابل والايقاع الجديد والزوايا المظلمة التي اضاءها المؤلف، مشيرا الى اختلاف طرق القراءة، خصوصا حين نكون كتابا، الشاعر خيري منصور عبر أفكاره ومكتشفاته يجعلنا نعيد النظر من جديد ونفكر، ونتساءل عما الحقته بنا الكتب، وما للقراءة الجيدة من مخاطر؟! موردا قول ( اندريه جيد) (ان هناك كتبا تصلح للقراءة في الحدائق العامة، وهناك كتب تقرأ في الطرقات، وأخرى تقرأ في الفراش)، لكن تبقى الكتب الأهم على الاطلاق هي تلك التي نلوذ بها بحثا عن العون، التي تلامس أرواحنا بعمق، الكتب التي فيها مآثر العقول الكبيرة، ممن تركوا لنا عصارات أرواحهم وأفكارهم، وخلاصات تجاربهم، في كتب لم تستنفد مهما تقادمت عليها الأيام، وتهرأت أوراقها وأغلفتها.