عراقيون
حسن العاني /
خارج أية حسابات، يفاجئني شاب في سن الرشد، يقودني من ذراعي، وصوته السلمي يطمئنني [تفضل عمو ويايه]، وقبل أن أسأله، وقبل أن تتضح الصورة ، تقدم بي الى مقدمة الطابور وأوقفني في الترتيب الثاني، حاولت الاعتذار منه، لأنه لا يمكن ان آخذ مكان غيري، إلا أنه ابتسم وقال لي [عمو.. آني مثلك أحب النظام وأكره المخالفة.. لكن هذا المكان مكاني وآني راح أروح مكانك].. قبلت رأسه، ولم استطع منع نفسي من البكاء بصمت!!
إذا صدقت ذاكرتي، فهو عام (2013)، وعلى إحدى الفضائيات يسال مقدم البرنامج، الفنان ياس خضر عن طبيعة العلاقة التي تحكم الوسط الفني الغنائي.. إطراء أخلاقي جميل كان رد الفنان خضر، وعزز هذا الإطراء بحكاية واقعية يوم زاره الفنان قحطان العطار وعرض عليه أن يؤدي أغنية معدة له.. [لأنني رأيت – الكلام للعطار – أن هذه الأغنية أقرب الى خامة صوتك]، وأداها ياس خضر فعلاً وأبدع فيها..
(العراقي) قحطان آثر غيره على نفسه، وقدم الموضوعي على الذاتي، و(العراقي) ياس خضر كان مثالاً للأمانة الأخلاقية وهو يروي حكاية زميله باعتزاز..
في عيادة طبيب العيون، المرحوم الدكتور مظفر الشذر، جاء دور مراجع عجوز، دفع نصف أجور (الكشفية) لسكرتير الطبيب، وأخبره بأنه لا يمتلك غير هذا المبلغ، أحد المراجعين (غمز) بعينه للسكرتير، وفهمنا من الحركة أن الرجل سيدفع نصف الكشفية الآخر.. وعندما دخل العجوز غرفة الطبيب، تقدم الرجل من السكرتير وأعطاه أجور الفحص كاملة، وطلب منه، برجاء مهذب، أن يعيد للعجوز المبلغ الذي دفعه، ويخبره بأن الطبيب قرر علاجه على حسابه.. امتلأنا اعتزازاً بالرجل، لكن شعور الاعتزاز بعراقيتنا كان أعظم حين فوجئنا بالطبيب يعين مريضه على مغادرة الغرفة ثم يطلب من السكرتير أن يعيد له المبلغ ويذهب معه الى الصيدلية لشراء العلاج على حسابه..
حين أوصلني سائق (التاكسي) الى المنزل، شكرته ودفعت له اجرة الطريق، ربما هي نصف ساعة مضت على مغادرته حين طرق أحدهم الباب.. إنه السائق نفسه، سلمني جهاز راديو صغير لا أدري كيف سقط من يدي في السيارة.. أثنيت عليه ثناء يستحقه، ثم مددت يدي الى جيبي، وقبل أن أخرج أي مبلغ قال لي [مو عيب ستاد تنطيني فلوس على أمانتي؟!] وانطلق بمركبته…