عطر الغايب.. شعر مرئي

712

نرمين المفتي/

أعتقد أنه من الصعوبة الإشارة إلى تعريف متفق عليه للشعر، سواء في اللغة العربية أو اللغات الأخرى، وإن كانت هناك محاولات لتعريفه قديماً وحديثاً.

بالنسبة لي الشعر ليس وزناً وقافية فقط إن كان عمودياً، حراً أو نثراً، إنما هو صور جميلة حتى إن كان يعبر عن الحزن والوجع، تتمكن من إيصال إحساس الشاعر إلى المتلقي من خلال كلمات تصل إلى القلب. لا يوجد تعريف للشعر يصنفه إلى فصيح وعامي أو كما يسمى بالشعبي.

للصور في الشعر الشعبي عفوية يفتقدها الشعر بالفصحى، خاصة حين يبحث الشاعر عن كلمات فخمة مرغماً القارئ بدل أن يستمتع بالشعر، أن يضع قاموساً قربه ليبحث عن معان لكلمات تصّعب الشعر بدل تجّميله وتبعث على الملل.. هنا، قد تكون في الشعر الحر عفويته القريبة من الشعر الشعبي.

تلمست روعة الشعر الشعبي الذي طالما كانت لغتي الأم التركمانية وعدم معرفتي ببعض المفردات، الجنوبية خاصة، حاجزاً بيني وبينه مع شرح الأصدقاء قصائد شعبية أطربتهم. وكبر الحاجز حين أصبح هذا الشعر وسيلة استرزاق سواء قبل 2003 أو بعده، خاصة أن بعض ممن ادعوا ويدعون أنهم (شعراء شعبيون) ليسوا سوى مهرجين يحاولون انتزاع الضحكة أو التصفيق والأموال أيضاً.

في ديوان(عطر الغايب) للصديق الشاعر جمعة الحلفي الشعر الذي أعرفه، شعر أراه وأنا أقرأه.. أعترف أن هناك، أحيانا، كلمات لم أفهمها، ربما أخطأت في لفظها، لكن دائما أجد من يقرأها ويشرحها لي.. قصائد كتبها في سنوات مختلفة، كان في بعضها بعيداً عن العراق وفي بعضها الآخر موجوعاً بالعراق (يا ضلعي العراق.. النفس والعبرة / يا طبعي العراق.. الدمعة والحسرة / يا حزني العراق.. الويل والويل/ يا تعبي العراق.. يا آخر الحيل). شعر ينساب بعذوبة وهو يناجي حبيبة ينتظرها(ليلة.. كلت تعود الي وتانيت / حنيت بيباني وزرعت اللوز بالعتبة/ وشعلت شموع وتوضيت / كلت.. اصليللك فرض / لو جيت)..شعر مرئي بإصرار.

قصائد الديوان كلها تصر على إعادة الشعر الشعبي جمالا وليس تهريجاً وتؤكد للمتلقي أن العودة إلى الصحيح ممكن في حال وضع اليد على الجرح، والجرح هنا ليس غربة أو حبيبة لا تأتي، إنما هذا التهريج والضجيج الذي يسميه بعضهم (شعرا شعبيا) مما يجعل العديدين خجلى من إبداء إعجابهم بهذا الشعر. وعودة إلى اسم الديوان (عطر الغايب).. العطر عندي كائن، ألمسه وأشعر به، أفتقده وأشتاقه ويملأني فرحاً أحياناً وأسى غالباً.. والديوان تماما مثل اسمه.