عقلك عماؤك!

463

جمعة اللامي /

لغز الحياة وحيرة الألباب … أن يستحيل الفكر محض تراب!
(الجواهري)
ولكنها ستبقى تدور.
هكذا أعلن ذلك العالم وهو يواجه ضباط محاكم التفتيش. وصدق ما أعلنه، فها هي الأرض تدور حول نفسها، وتدور حول الشمس أيضاً، إلى حيث ميقات ربك الموعود.
ومن هو الجلاد الذي نفذ الحكم بقتل غاليلو؟ بل من هو الأمير، أو الملك، أو الدهقان، أو الإمبراطور الذي أمر بقتل ذلك العالم الفذ؟

سنتعب أنفسنا ولا نجد اسم الجلاد، ماذا يعنينا إن عرفنا اسم الملك أو الامبراطور. لكننا نتعب من أجل غاليلو او كوبرنيكوس، ونتعب أكثر من أجل عباس بن فرناس، ونحترم أنفسنا أكثر وأكثر إذا ما نحن سرنا مع سقراط، أو تقفينا درب الحسين بن منصور، أو وقفنا عند ضريح حافظ الشيرازي، وغوته، والكندي، وطاغور، والمعزّ، وزيد بن عمر بن نفيل بن الخطاب، وغيرهم.
هؤلاء هم الذين يرثون الأنبياء، لأنهم العلماء.
كان أحد خلعاء بغداد القديمة يقتفي أثر رجل صالح ويسمعه قولاً شاتماً شامتاً، فلا يعيره الرجل بالاً، ويتجه إلى حيث مقصده: المسجد، ليتربص به ذلك الشتام بعد خروجه من المسجد ويأخذ بشتمه. وذات يوم خرج الرجل الصالح من داره فلم يسمع صوت شتّامه، واقترب من المسجد فلم يصله صوت شاتمه، وعندما سأل عنه قيل له: يا سيدنا ذلك الرجل عند صاحب الشرطة، فشفع لشاتمه وأخرجه من السجن والأخير مذهول، ويقال إنه أصلح نفسه.

وصلاح النفس بالعلم والأخلاق.
والعلم يتطلب تشغيل العقل، لتشتغل بعد ذلك محركات الجسد كله، ثم تنهض تلك القوى النائمة في الجسد من رقاد طويل، وتبدأ بالعمل لتزكية النفس. ويتزكى الحديد بالنار، فيخرج من هذه العملية السيف، والسوار. ويتزكى التبر بالنار، فيخرج من ذلك الجوهر الفريد.

سأل أعرابي أحد العرفاء: أريد معرفة الله!
فرد العارف: سل قلبك.
وسأل أحدهم رجلاً فقيراً: ما هي الحجة العظمى التي لدى الإنسان؟ فرد الفقير: العقل.

والعقل مجرة لا نهاية لحافاتها.
وإذا ما احترم إنسان عقله عدّ من أصحاب العقل. وهؤلاء الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا عبثاً، ربنا إنك أنت الرحمن الرحيم.
وسلام على إنسان يخشى الله الذي جعل من العقل عماءً وحجة على الإنسان وحجة له أيضاً.
ولكن، ما هو العماء؟!