عمدة لندن و(عمدة المترو)!

1٬080

عبد الحليم الرهيمي/

اسفرت الانتخابات التي جرت منتصف آيار الماضي في العاصمة البريطانية لندن لأختيار عمدة لندن (بمثابة محافظ) عن فوز صديق خان البريطاني المسلم من أصول باكستانية، الأمر الذي اعتبره البعض مفاجأة أثارت الكثير من الاهتمام لدى الرأي العام ووسائل الاعلام.

ارتقى صديق خان منصب عمدة لندن، وهو منصب أو وظيفة مهمة جداً في لندن، بعد ان فاز من بين 11 منافساً له من مختلف الاتجاهات، لكن المنافس الأشد والأقوى بينهم كان (غولد سميث) وهو من عائلة يهودية عريقة وثرية جداً.

أهمية فوز صديق خان بهذا المنصب تمثل في صفتين رئيسيتين، اولاهما هو ان يكون عمدة للعاصمة البريطانية بالذات، وثانيهما ما اظهرته الانتخابات من روح التسامح لدى سكان لندن.

واهمية لندن تتجلى في ان هذه المدينة التي يبلغ تعداد سكانها 8 ملايين بينهم مليون مسلم تبلغ ميزانيتها نحو 17 مليار جنيه استرليني، أي ما يعادل نحو 27 مليار دولار اميركي، ويوجد فيها 6 مطارات و 43 جامعة وتعد مقراً لصناعة الاعلام الدولية، ويقيم فيها اكبر عدد من الاثرياء في العالم بينهم، بالطبع، عدد غير قليل من العراقيين؟! .
أما الصفة المهمة الثانية لفوز خان فهي ما عبرت عنه الانتخابات بأظهار مدى روح التسامح الانساني العالية لدى البريطانيين، خاصة سكان لندن، ذلك قد يبدو مفاجئة غير متوقعة للبعض ان ينتخب سكان المدينة البروتستانية التاريخية مسلماً ليكون عمدة لها، وهو الأمر الذي يعني ان اختيارهم لصديق خان كان بعيداً عن النظر لسحنته الشرقية أو انتمائه الديني أو العرقي، انما على اساس مواطنته وكفاءته ونزاهته وبرنامجه الاصلاحي الخدمي الذي وعد به ناخبيه في حملته الانتخابية، سيما وان صديق خان كان يؤكد حين يقدم نفسه على انه بريطاني لندني عمالي (من حزب العمال) مسلم ومن اصول باكستانية.. اي ان انتخاب اللندنيين كان تعبيراً عن روح المواطنة والتسامح الانساني الذي هو فوق كل الاعتبارات.

وانا اتابع اخبار وتداعيات هذا الحدث اللافت للاهتمام والانتباه تذكرت ما شهدته يوماً في تسعينات القرن الماضي، بينما كنت راكباً المترو الذي يسميه البريطانيون اندر كراوند (Underground) صعد في احدى المحطات رجل ذو سحنة باكستانية الى القاطرة (الفاكون) التي كان عدد ركابها نحو 30 راكباً، معظمهم ذوو سحنات انكليزية. وبعد ان اتكأ هذا الرجل على أحد الأعمدة المخصصة لتمسك الركاب برغم وجود عدد من الكراسي الفارغة، حتى انهال بكلمات نابية من الشتائم والسباب غير الاخلاقي وغير المبرر ضد الانكليز. وازاء ذلك التصرف القبيح قلت في نفسي ربما يقوم احد الركاب من الانكليز ويضربه على فمه لاسكاته، لكن ذلك لم يحصل، بل حتى لم يرد عليه احد الحاضرين بالكلام، بل لم ينظر اليه الا بنظرة اشمئزاز وعاد الجميع لمواصلة قراء الكتاب أو الصحيفة التي كانت بيدهم. عندها حدثت نفسي بالقول: انها برودة الانكليز المشهورين بها، لكنها في الواقع تعبر ايضاً عن التسامح وتحمل الأذى.

ورغم الفرق بين الحالتين، حالة انتخاب العمدة الباكستاني صديق خان والموقف القبيح للباكستاني الذي بدا كأنه (عمدة المترو) فان القاسم المشترك بينهما هو روح التسامح الذي يبديه المواطنون البريطانيون، وربما الشعوب الأخرى التي تعيش في ظل انظمة ديمقراطية حقة، تقدس المواطنة والتسامح، برغم وجود بعض العنصريين والمتعصبين.